حجم التجارة بين الصين والسعودية يتجاوز 60 مليار دولار أمريكي

تشير العلاقات التجارية المتنامية بين الصين والسعودية إلى شراكة اقتصادية استراتيجية تجمع بين أكبر مصدر للنفط في العالم وإحدى أكبر القوى الاقتصادية عالميًا. شهدت العقود الأخيرة تطورًا سريعًا في الروابط الاقتصادية بين البلدين، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري حاجز 60 مليار دولار منذ سنوات، ووصل إلى مستويات قياسية تقارب 100 مليار دولار سنويًا. تعكس هذه الأرقام الدور المحوري الذي يلعبه كل من البلدين في اقتصاد الآخر، مدفوعًا بحاجات الصين للطاقة من جهة، ورغبة السعودية في تنويع أسواق صادراتها وجذب الاستثمارات من جهة أخرى.

تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين

لم تبدأ العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الرياض وبكين سوى عام 1990، لكنها تطورت بوتيرة متسارعة منذ ذلك الحين. في عام 1990 كان حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يتجاوز 417 مليون دولار فقط، في حين قفز في عام 2022 إلى ما يقارب 105 مليار دولار – أي بزيادة هائلة خلال ثلاثة عقود. شهدت العلاقات منعطفات مهمة، منها توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في عام 2016، والتي وضعت إطارًا مؤسسيًا للتعاون الاقتصادي. ويمكن تقسيم تطور العلاقات الاقتصادية إلى مراحل أساسية: مرحلة علاقات محدودة حتى أوائل الألفية، ثم مرحلة توسع سريعة بعد 2005 مدفوعة بنمو حاجة الصين إلى النفط وبدء السياسة السعودية “التوجه شرقًا”، وأخيرًا مرحلة الشراكة الاستراتيجية منذ 2016 التي تعززت مع إطلاق رؤية السعودية 2030 ومبادرات الصين العالمية كـمبادرة الحزام والطريق.

حجم التبادل التجاري في السنوات الأخيرة

أصبحت الصين في السنوات الأخيرة الشريك التجاري الأكبر للسعودية. فمنذ عام 2014 تصنف الصين كأكبر شريك تجاري للمملكة. وقد بلغ حجم التجارة السلعية بين البلدين حوالي 97 مليار دولار في عام 2023، منها نحو 54 مليار دولار صادرات سعودية إلى الصين (غالبيتها نفط ومشتقاته) مقابل 43 مليار دولار واردات سعودية من الصين. هذا المستوى المرتفع يمثل حوالي 18% من إجمالي تجارة السعودية عالميًا في ذلك العام، مما يؤكد الأهمية المتزايدة للصين في مزيج الشركاء التجاريين للمملكة. ورغم تقلبات أسعار النفط التي قد تؤثر على القيمة السنوية للتبادل التجاري، فإن الاتجاه العام يشير إلى نمو مطّرد في قيمة وحجم التجارة البينية. وتجدر الإشارة إلى أن السعودية عملت أيضًا على زيادة صادراتها غير النفطية إلى الصين، والتي تجاوزت قيمتها 176 مليار ريال سعودي خلال الفترة 2019–2023 (نحو 47 مليار دولار)، مع تركيز على منتجات البتروكيماويات والبلاستيك والمعادن. هذه الجهود تأتي ضمن مساعي المملكة لتنويع صادراتها وفق رؤية 2030 وتقليل الاعتماد على النفط.

الشراكات في قطاع النفط والطاقة

يشكل النفط عماد العلاقات التجارية بين البلدين منذ بدايتها. فالسعودية، أكبر مصدر للنفط عالميًا، تعد مصدرًا حيويًا للطاقة بالنسبة للصين التي أصبحت بدورها أكبر مستهلك للطاقة. زادت واردات الصين من النفط السعودي بشكل مطّرد لتشكّل نحو 18% من إجمالي واردات الصين النفطية مؤخرًاreuters.com. وفي عام 2022، استوردت الصين ما يقارب 87 مليون طن من النفط الخام السعودي (حوالي 1.77 مليون برميل يوميًا) بقيمة 55.5 مليار دولارreuters.com. وعلى الجانب الآخر، تُمثّل السوق الصينية منفذًا استراتيجيًا للنفط السعودي، خاصة مع تراجع اعتماد بعض الأسواق التقليدية واستهداف الصين تنويع مصادر إمداداتها. وقد تطورت الشراكة في هذا القطاع إلى استثمارات ومشاريع مشتركة، حيث قامت شركة أرامكو السعودية بالاستثمار في مصافٍ صينية لتعزيز التكامل وتأمين سوق دائمة للخام السعودي. على سبيل المثال، اتخذت أرامكو في عام 2022 قرارًا نهائيًا بالاستثمار في بناء مجمع لتكرير النفط والبتروكيماويات في شمال شرق الصين بقيمة 10 مليارات دولارreuters.com بطاقة إنتاجية 300 ألف برميل يوميًا، إضافةً إلى استثمارات سابقة مثل مشروع فوجيان المشترك مع شركة سينوبك منذ 2008. كما أن للشركات الصينية حضور في قطاع الطاقة السعودي؛ إذ تشارك سينوبك بحصة 37.5% في مصفاة ياسرف بينبع بالسعوديةreuters.com. وإلى جانب النفط الخام، هناك تعاون في قطاع البتروكيماويات، حيث وقعت أرامكو ومؤسسات صينية اتفاقيات لتطوير مجمعات تكرير وبتروكيماويات في كلا البلدينreuters.comreuters.com. هذا التكامل في قطاع الطاقة يضمن مصالح البلدين؛ فالصين تؤمن موارد الطاقة اللازمة لنمو اقتصادها، والسعودية تضمن سوقًا ضخمة ومستقرة لصادراتها النفطية.

التعاون في التكنولوجيا والبنية التحتية

مع توسع العلاقات، امتد التعاون إلى قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية بشكل ملحوظ. أدركت الصين والسعودية أهمية تنويع مجالات الشراكة لتشمل مشاريع التكنولوجيا المتقدمة وتطوير البنية التحتية. فعلى صعيد البنية التحتية، ساهمت الشركات الصينية في تنفيذ مشاريع كبرى بالمملكة. منذ أواخر العقد الأول من الألفية، سُمح للشركات الصينية بدخول المناقصات السعودية مباشرةً، مما أثمر عن عقود إنشاءات قيمتها قرابة 16 مليار دولار بين 2005 و2013carnegieendowment.orgcarnegieendowment.org. من أبرز هذه المشاريع خط قطار المشاعر المقدسة في مكة المكرمة الذي شاركت في بنائه شركة سكك حديد الصين، ومشاريع في قطاع الإسكان وبناء أكبر محطة توليد كهرباء في الشرق الأوسط شمال جدة بالتعاون مع مقاولين صينيينcarnegieendowment.org. أما في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، فتبرز الشراكة من خلال مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية لإقامة مراكز حوسبة سحابية وبناء مجمعات تقنية في المدن السعوديةreuters.comreuters.com، مما يدعم التحول الرقمي الذي تستهدفه المملكة. كما شهدت الأعوام الأخيرة توقيع اتفاقيات نوعية مثل اتفاقية بين شركة Sumou السعودية وشركة ENOVATE الصينية لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في المملكة بطاقة إنتاج 100 ألف سيارة سنويًاreuters.comreuters.com – وهي خطوة تنسجم مع توجه السعودية لتطوير صناعة السيارات الكهربائية محليًا.

كذلك، تشمل الشراكة مجال التقنية والابتكار، حيث تم الإعلان عام 2022 خلال زيارة الرئيس الصيني للسعودية عن 34 اتفاقية استثمار متنوعة المجالات، من بينها الطاقة الخضراء وتقنيات المعلومات والخدمات السحابية والنقل والخدمات اللوجستية والطب والإسكانreuters.comreuters.com. هذه الاتفاقيات تعكس رغبة مشتركة في نقل التكنولوجيا وتعزيز المحتوى المحلي السعودي في قطاعات حيوية. ومؤخرًا في عام 2023، خلال مؤتمر استثماري في الرياض، وُقعت حوالي 60 اتفاقية تعاون بقيمة تتجاوز 25 مليار دولار في مجالات متعددة تشمل الطاقة والزراعة والسياحة والتعدين والخدمات المالية واللوجستية والبنية التحتية والتقنية والصحةbmg.com.sa. ومن الصفقات البارزة ضمنها مذكرة تفاهم بقيمة 8.5 مليار دولار بين الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية وشركة صينية لتنمية قطاع الألعاب الإلكترونيةbmg.com.sa، واتفاق بقيمة 7.5 مليار دولار للاستثمار في قطاع التصنيع بين مجموعة عجلان وإخوانه السعودية وشركة أورينتال إنرجي الصينيةbmg.com.sa. هذه الأمثلة تظهر أن التعاون لم يعد محصورًا في الطاقة التقليدية، بل يمتد إلى التقنيات الحديثة والبنية التحتية المتقدمة، بما في ذلك الاستثمار في السكك الحديدية والموانئ وشبكات الاتصالات والمدن الذكية التي تتطلع السعودية لتطويرها في إطار مشروع نيوم ومشاريع رؤية 2030 الأخرى.

القطاع المالي والاستثمارات الثنائية

شهدت العلاقات المالية والاستثمارية بين الصين والسعودية زخمًا متزايدًا بالتوازي مع نمو التجارة. فالصين لا تكتفي بدور الشريك التجاري، بل أصبحت مستثمرًا مهمًا في الاقتصاد السعودي. وفق البيانات الحديثة، قفزت الاستثمارات الصينية المباشرة في المملكة من حوالي 1.5 مليار دولار عام 2022 إلى 16.8 مليار دولار في 2023arabnews.com – وهي زيادة هائلة تعكس اهتمام الصين المتنامي بالسوق السعودية وفرصها. هذه الاستثمارات موزعة على قطاعات متعددة، تشمل الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتعدين والتكنولوجيا، انسجامًا مع أولويات رؤية 2030 السعودية. في المقابل، تملك السعودية استثمارات ضخمة واستراتيجية في الصين تُقدر بحوالي 75 مليار دولارarabnews.com، بعضها من خلال صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يستهدف فرصًا في الأسواق العالمية الواعدة، وبعضها عبر أرامكو في قطاع التكرير والبتروكيماويات كما أسلفنا.

على صعيد التعاون المالي، يتجه البلدان إلى تعزيز الربط بين أسواق المال والبنوك. ففي خطوة غير مسبوقة، أعلنت الصين أواخر 2024 عزمها على إصدار سندات سيادية بالدولار في السوق المالية السعودية بقيمة تصل إلى 2 مليار دولارarabnews.comarabnews.com. هذه الخطوة – وهي أول إصدار دين سيادي للصين بالعملة الأمريكية خارج أسواقها منذ 2021 – تعكس الثقة في الأسواق المالية السعودية ورغبة بكين في تنويع أماكن تمويلها وتعميق حضورها المالي في المنطقة. ويتوقع خبراء أن تسهم هذه الإصدارات في إثراء سوق الدين السعودية وزيادة جاذبيته للمصدرين العالميينarabnews.com. كذلك تعمل المصارف وصناديق الاستثمار السيادية لدى الطرفين على دراسة مشاريع مشتركة؛ فعلى سبيل المثال، شارك صندوق طريق الحرير الصيني ضمن تحالف استثماري استحوذ عام 2021 على 49% من حصة خطوط أنابيب النفط التابعة لأرامكو بقيمة 12.4 مليار دولارreuters.com. كما اشترك الصندوق نفسه مع مستثمرين آخرين في شراء حصة مماثلة في شبكة خطوط الغاز التابعة لأرامكو بقيمة 15.5 مليار دولارreuters.com. هذه الاستثمارات المالية الكبيرة تعزز الترابط بين الاقتصادين على المدى الطويل.

من ناحية أخرى، تظهر المصارف الصينية اهتمامًا بالتواجد في السوق السعودية لتقديم الخدمات وتمويل المشاريع، في حين تشجع بكين المصارف السعودية على إصدار أدوات مالية باليوان الصيني لتعزيز استخدام العملة الصينية في التبادلات التجارية. ورغم أن الدولار الأمريكي ما زال العملة المهيمنة على تجارة النفط، إلا أن هناك نقاشات حول تسوية بعض المعاملات النفطية باليوان كجزء من مساعي الصين الدولية لتعزيز مكانة عملتها – وهذا إن حدث مستقبلًا فسيكون تطورًا لافتًا في العلاقات المالية بين البلدين.

مبادرة الحزام والطريق ورؤية السعودية 2030: استثمارات ثنائية

تمثل مبادرة الحزام والطريق الصينية وإستراتيجية رؤية 2030 السعودية إطارين رئيسيين يتقاطعان في عدة محاور، مما وفر أرضية خصبة لتوسيع التعاون الثنائي. أعلنت الصين مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013 بهدف بناء شبكات تجارة واستثمار عالمية تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر بنية تحتية ضخمة. وبالنسبة للسعودية، التي انطلقت رؤيتها 2030 في عام 2016 لتنويع الاقتصاد وتطوير البنية التحتية وتحويل المملكة إلى مركز لوجستي واستثماري عالمي، جاء التوافق بين المبادرتين واضحًا للطرفينbmg.com.sa. أدركت الرياض أهمية أن تكون جزءًا من الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، فوقّعت خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة في 2016 مذكرة تفاهم لمواءمة خططها التنموية مع مشروع “طريق الحرير الاقتصادي” و”طريق الحرير البحري”saudiexports.gov.sa. ومنذ ذلك الحين، تعد السعودية شريكًا رئيسيًا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والترابط الإقليمي التي تروج لها الصين. فموقع المملكة الاستراتيجي عند مفترق آسيا وأفريقيا وأوروبا يجعلها حلقة وصل محورية في مبادرة الحزام والطريقcarnegieendowment.org، وقد أطلق الرئيس الصيني استراتيجية “1+2+3” للتعاون مع الدول العربية حيث تقع الطاقة في القلب منها، تدعمها طبقة ثانية من التعاون في البنية التحتية والتجارة والاستثمار، إلى جانب ثلاثة مجالات مستقبلية هي الطاقة النووية والطاقة المتجددة والفضاءcarnegieendowment.org. تتماشى هذه الأولويات مع أهداف السعودية في تطوير قطاعات صناعية جديدة (كالطاقة النظيفة والفضاء) ضمن رؤية 2030.

على الجانب الآخر، استفادت الصين من رؤية 2030 كخارطة طريق لفهم أولويات السعودية واستثمارها في المجالات المستهدفة. فعلى سبيل المثال، ضمن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بكين عام 2019، وُقعت اتفاقيات ومذكرات تفاهم عديدة (بلغت 12 اتفاقًا) شملت قطاعات الطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية وغيرهاarabnews.com، وتم التأكيد على ربط مبادرة الحزام والطريق بأهداف الرؤية السعودية. كما أن اللجنة السعودية الصينية رفيعة المستوى التي تأسست في 2016 تجتمع دوريًا لضمان سير مشاريع التعاون الاستراتيجي بسلاسةarabnews.com، وقد ترأس اجتماعها في سبتمبر 2024 كلٌ من الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الصيني لاستعراض سير المبادرات المشتركةarabnews.com. وتتركز تلك المبادرات في الطاقة المتجددة (مثل مشروعات الطاقة الشمسية والرياح التي تتعاون فيها شركات كبرى كـ ACWA Power مع شركات صينيةreuters.com)، وفي البنية التحتية للنقل (كالشراكة في تطوير الموانئ والسكك الحديدية)، وكذلك في القطاع الرقمي (حيث تشارك شركات صينية في بناء مدن ذكية وبنية اتصالات الجيل الخامس في المملكة).

إن التكامل بين الحزام والطريق ورؤية 2030 أوجد منصة لاستثمارات ثنائية ضخمة. الصين من جهتها تُسهم بتوفير التمويل والخبرات التقنية والشركات المنفذة، والسعودية تقدم المشاريع الاستراتيجية والموقع الجغرافي والموارد اللازمة. بهذه الطريقة، يجني الطرفان مكاسب مشتركة: السعودية تُسرّع تحقيق أهداف الرؤية وتبني اقتصادًا متنوعًا بمساعدة قوة اقتصادية كبرى، والصين تعزز حضورها الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وتضمن شركاء موثوقين في مبادرتها العالمية.

تحديات وفرص مستقبلية

على الرغم من الزخم الإيجابي للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلا أن هناك تحديات محتملة ينبغي التنبه لها لضمان استدامة الشراكة. أول هذه التحديات هو الاعتماد الكبير على النفط في التبادل التجاري. فرغم الجهود لتنويع مجالات التعاون، لا يزال النفط يشكل النسبة الأكبر من الصادرات السعودية إلى الصين. هذا يعني أن أي تقلبات حادة في أسواق النفط أو تغيرات استراتيجية (مثل تحول الصين نحو الطاقة المتجددة لخفض انبعاثاتها) قد تؤثر على حجم التجارة مستقبلاً. وعليه، فإن تنويع قاعدة التجارة ليشمل سلعًا غير نفطية وخدمات يُعد أمرًا مهمًا لكلا الجانبين لتحقيق التوازن.

كما تبرز قضية إتمام اتفاقية تجارة حرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي كمجال يواجه عقبات. فعلى الرغم من دفع المفاوضات قدمًا في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك مخاوف سعودية من أن إغراق الأسواق بواردات صينية معفاة من الرسوم قد يضر بخطط المملكة لتطوير صناعات وطنية تنافسيةreuters.comreuters.com. تسعى الرياض ضمن رؤية 2030 إلى بناء قاعدة صناعية تشمل إنتاج سلع كالإلكترونيات وقطع السيارات وحتى التكنولوجيا المتقدمة، وتخشى أن الواردات الصينية زهيدة التكلفة قد تقوض هذه الصناعات الناشئة إذا أزيلت الحماية الجمركية مبكرًا. لذا يتطلب إبرام اتفاقية تجارة حرة حلولاً توافقيّة توازن بين تحرير التجارة وحماية القطاعات الواعدة في الاقتصاد السعوديreuters.com.

من التحديات أيضًا التوازن الجيوسياسي، فتعميق الشراكة مع الصين يجري على خلفية منافسة عالمية بين الصين وقوى دولية أخرى. وقد واجهت دول الخليج ضغوطًا غربية، خاصة من الولايات المتحدة، بشأن تعاونها التقني مع الصين. على سبيل المثال، أفادت تقارير بأن مسؤولين أمريكيين سعوا إلى ثني دول الخليج عن تبني تقنيات صينية للجيل الخامس أو التعاون العسكري مع بكينreuters.com. بالنسبة للسعودية، تمثل الصين شريكًا اقتصاديًا هامًا بينما تظل الولايات المتحدة شريكًا أمنيًا تاريخيًا؛ لذا تحاول المملكة الموازنة بين الجانبين عبر تبني سياسة تعدد الشراكات. ويُلاحظ في الفترة الأخيرة أن الرياض تنتهج استقلالية أكبر في قرارها الاستراتيجي، كما ظهر في انفتاحها على الصين (واستضافتها قمة عربية-صينية في 2022) بالتوازي مع الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن. هذا التوازن قد يواجه اختبارات مستقبلاً، لكن نجاح السعودية في تنويع تحالفاتها يمنحها مجالًا للمناورة وتحقيق أفضل المكاسب.

أما على صعيد الفرص، فالمستقبل مفتوح أمام آفاق واسعة يمكن للصين والسعودية استغلالها. قطاع الطاقة المتجددة يشكل مجالًا واعدًا للتعاون، فالسعودية تتطلع لقيادة المنطقة في إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والشركات الصينية رائدة عالميًا في تصنيع المعدات وتنفيذ المشاريع في هذا المجال. بالفعل، هناك استثمارات صينية متزايدة في مشاريع الطاقة النظيفة بالمملكة ضمن مبادرة “الحزام والطريق الأخضر”reuters.com، ويتوقع ازديادها مع مضي السعودية قدمًا نحو أهدافها الطموحة في مزيج الطاقة المتجدد. كذلك، قطاع التقنية والابتكار يوفر فرصة للشراكة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأتمتة الصناعية، حيث تستطيع السعودية الاستفادة من الخبرات الصينية لبناء قدراتها التقنية محليًا، في حين تجد الصين في المملكة سوقًا وبيئة اختبار مناسبة لتقنياتها في منطقة الشرق الأوسط. وتعتبر مبادرات التدريب ونقل المعرفة جزءًا من هذه العملية، كما تجلى في تعاون شركات صينية في مجال أشباه الموصلات مع مراكز بحثية سعودية لتطوير القدرات المحليةbmg.com.sa.

هناك أيضًا مجال السياحة والاستثمار الثقافي الذي بدأ يحظى باهتمام متزايد. فالسعودية فتحت أبوابها للسياح الأجانب وتستهدف اجتذاب 5 ملايين سائح صيني سنويًا بحلول 2030arabnews.comarabnews.com، مستفيدة من ارتفاع أعداد السياح الصينيين عالميًا. وقد حصلت المملكة عام 2024 على status “وجهة معتمدة” من الصين لتسيير رحلات سياحيةarabnews.com، وتتعاون الدولتان في تسهيل منح التأشيرات وتعزيز الرحلات الجوية المباشرة بين مدنهما. هذا التوجه لا يدعم قطاع السياحة السعودي فحسب، بل يعزز التواصل الشعبي والثقافي بين بلدين كان التبادل الثقافي بينهما محدودًا تاريخيًا، مما يرسخ العلاقات على المدى الأبعد.

أخيرًا، إن توسع التعاون متعدد الأطراف يشكل فرصة مهمة. فقد وجهت دعوة للسعودية للانضمام إلى مجموعة بريكس (BRICS) للاقتصادات الناشئة في عام 2023، وهو ما اعتبر مؤشرًا على تلاقي مصالح الرياض وبكين ضمن أطر دولية جديدة. انضمام السعودية المحتمل إلى BRICS – التي تقودها الصين وروسيا إلى جانب الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا – قد يفتح مجالات إضافية للتنسيق الاقتصادي وتسهيل المبادلات التجارية والاستثمارية بعملات محلية. كما أنه يرسل رسالة باستعداد المملكة للعب دور فاعل في النظام الاقتصادي العالمي المتعدد الأقطاب الذي تسعى الصين إلى ترسيخهchinapower.csis.orgiiss.org. وعلى المنوال ذاته، يبرز التعاون السعودي الصيني في المجال الدبلوماسي والإقليمي كفرصة داعمة للاقتصاد؛ فقد أسهمت الوساطة الصينية في اتفاق إعادة العلاقات بين السعودية وإيران عام 2023 في تعزيز الاستقرار الإقليميcarnegieendowment.org، مما يهيئ مناخًا أفضل للأعمال والتجارة في المنطقة ككل.

في المحصلة، تمكّنت كلٌ من السعودية والصين من بناء علاقة اقتصادية متينة وشاملة تتجاوز الأرقام الضخمة للتجارة البينية لتشمل استثمارات استراتيجية وتعاونًا تكنولوجيًا وتنسيقًا في الرؤى التنموية. لقد تخطى الطرفان مرحلة الاعتماد الأحادي (النفط مقابل السلع الاستهلاكية) إلى شراكة أكثر تنوعًا تصب في مصلحة خطط التطوير لدى كل منهما. ومع استمرار الصين في صعودها الاقتصادي العالمي وسعي السعودية الحثيث لتحقيق التحول الاقتصادي لرؤية 2030، يبدو أن آفاق العلاقات التجارية السعودية-الصينية مرشحة لمزيد من النمو. التحديات واردة ولا تخلو الطريق من عقبات، لكن الإرادة السياسية القوية في بكين والرياض، إلى جانب تكامُل مصالحهما، تشكل قاعدة صلبة للتغلب على العقبات واستثمار الفرص. بالتالي، يُنتظر أن يواصل التبادل التجاري والاستثماري بين الصين والسعودية الارتفاع إلى مستويات قياسية جديدة في السنوات القادمة، مدفوعًا بتحول العلاقة إلى نموذج شراكة اقتصادية ثنائية يعتبره كثيرون حجر الزاوية في العلاقات الآسيوية-العربية المعاصرة.