بنايات تولو تبحث عن وارثين

شهادة حية على براعة البناء

تُعدّ بنايات تولو أحد أبرز رموز العمارة التقليدية في الصين، وقد بناها أبناء قومية كجيا باستخدام الطين والخشب والخيزران. تشبه هذه المباني الحصون المتراصة، وتتميز بقوتها في مقاومة الزلازل والحرائق وتقلبات الطبيعة.

تمنح قاطنيها تهوية طبيعية، وإنارة مثالية، وعزلاً حرارياً وصوتياً فعالاً.

قال البنّاء المتخصص شيوي سونغ شنغ:
“بناء مساكن كجيا هو فن عال.”


شيوي سونغ شنغ: وريث الحرفة

وُلد شيوي سونغ شنغ سنة 1953 في محافظة يونغدينغ بمقاطعة فوجيان، وسط عائلة من البنّائين المتخصصين في تولو. تعلم المهنة منذ الرابعة عشرة، وبحلول العشرين أصبح يصمم ويشرف على بناء وترميم التولو.
وفي سنة 2007، تم تكريمه كـ”وريث وطني لفنون بناء تولو”.


ما هي بنايات تولو؟

تنتشر في مناطق:

  • لونغيان وتشانغتشو (فوجيان)

  • دابو وراوبينغ (قوانغدونغ)

مواصفاتها:

  • الشكل: دائري أو مربع

  • المواد: طين وخيزران وخشب

  • الارتفاع: 3–4 طوابق

  • السعة: من 200 إلى 700 فرد

  • النمط: سكن جماعي بأفنية داخلية

تعيش فيها عائلات من أجيال متعاقبة تحمل الاسم نفسه، مما يعكس نمط حياة جماعية متناغمة.


الجذور التاريخية

ظهرت هذه البنايات في فترات الاضطرابات بين نهاية أسرة جين الغربية (265–317) وبداية أسرة تانغ (618–907)، حين هاجر الهان من السهول الوسطى إلى الجنوب هرباً من الحروب والمجاعات.

سكان المناطق الجبلية أطلقوا عليهم لقب “كجيا” أي “الضيوف”، وكانوا يعانون من انعدام الأمن، لذا بنوا منازل جماعية محصّنة وسط الجبال.


فن البناء التراثي

يتطلب بناء تولو خبرة عالية. يتم تدعيم الجدران بشرائح من الخيزران المترابط وأوتاد خشبية، وتُبنى بزاوية مائلة نحو الشمس لتجف بالتساوي وتصبح مستقيمة.

قال شيوي:

“تركيبة التربة وزاوية الميل عناصر حاسمة. لا بد من خبرة تمتد لعشرات السنين لإتقانها.”


الاعتراف العالمي

في عام 2008، أدرجت اليونسكو 46 من بنايات تولو ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي، ووصفتها بأنها:

“نماذج مميزة للبناء التقليدي والوظيفي، تعكس العيش المشترك والتنظيم الدفاعي والتناغم البيئي.”


نهضة الثمانينات: تولو والازدهار الريفي

بفضل سياسة الإصلاح والانفتاح في الثمانينات، ارتفعت دخول الفلاحين، مما أعاد إحياء بناء التولو. كان الريفيون يتعاونون على بنائها، بينما تقدم فرقة شيوي التوجيه الفني.

“كانت المواد متوفرة، والعمالة جاهزة، وكنا نعمل حتى منتصف الليل أحياناً”، قال شيوي.

لكن اليوم، ومع توفر الإسمنت والحديد، يفضّل الناس البنايات الحديثة، الأسرع والأرخص.


من الطين إلى الخرسانة

لم يقف شيوي في وجه الحداثة. انخرط في دورات تدريبية للبناء الحديث، وانتقل هو وفريقه إلى هذا النوع من المشاريع، مع حفاظه على إرثه في البناء التقليدي.

“ما زال البعض يطلب خدمات الترميم فقط، ولم يعد هناك من يبني تولو جديدة.”


أزمة التولو اليوم

مع رحيل الشباب للعمل في المدن، أصبحت بنايات التولو خالية ومهملة، بعضها مهدد بالانهيار.

في 2002، استعانت به مقاطعة قوانغدونغ لترميم تولو هوأه العائدة لأسرة مينغ — وكان هذا آخر مشروع تولو يشرف عليه.


بيت جديد بروح قديمة

رغم انتقاله إلى منزل حديث في الحضر، صممه شيوي بنفسه ليحتفظ ببعض عناصر التولو كالفناء الداخلي، لا يزال يحنّ للماضي.

“البناؤون المهرة في تولو قليلون. قد تندثر هذه الحرفة قريباً.”

لذلك، قام بنقل خبرته لابنه الأكبر، ويعمل على تأليف كتاب يوثق فيه تقنيات التولو، ويصحح المفاهيم المغلوطة حولها مثل:

  • ليست مقاومة للماء بالكامل

  • تحتاج لصيانة دورية

  • أنظمة الصرف والتجفيف ضرورية


الأمل في المستقبل

قال شيوي:

“أعتقد أن الأجيال القادمة ستُعيد اكتشاف التولو، خاصة في القرى الجبلية النائية حيث تتوفر المواد، وتقل التكاليف، ويقوى ترابط المجتمع.”