العمل في الصين للمهنيين العرب وحديثي التخرج

أصبحت الصين في العقود الأخيرة أرضًا خصبة للفرص الاقتصادية والمهنية، مع نمو اقتصادي هائل وتوسع للشركات الصينية على مستوى عالمي. يسعى الكثير من المهنيين حديثي التخرج من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاستكشاف سوق العمل الصيني والاستفادة من هذه النهضة. بالنسبة للشباب العرب الطموحين، العمل في الصين قد يفتح آفاقًا جديدة لاكتساب خبرات مميزة وبناء جسور بين العالم العربي والصين. في الوقت نفسه، يتطلب النجاح في البيئة المهنية الصينية فهمًا للثقافة العملية المحلية والإلمام بالإجراءات القانونية مثل تأشيرة العمل وغيرها. سنستعرض فيما يلي أهم الجوانب المتعلقة بالعمل في الصين للمهنيين العرب، من الفرص المتاحة إلى التحديات وكيفية الاستعداد لها.

فرص العمل المتاحة للأجانب في الصين:

على الرغم من أن سوق العمل الصيني تنافسي ويضم ملايين الخريجين المحليين سنويًا، إلا أن هناك مجالات تشهد طلبًا مستمرًا على المواهب الأجنبية بسبب خبراتهم أو مهاراتهم الخاصة. من أبرز الفرص المتاحة:

  • التعليم وتدريس اللغة الإنجليزية: ما تزال وظيفة مدرّس اللغة الإنجليزية من أكثر الوظائف شيوعًا للأجانب في الصين. فالطلب على مدرسي اللغات مرتفع نظرًا لاهتمام الصينيين بتعلّم الإنجليزية منذ الصغر. يعمل الأجانب في مدارس حكومية ودولية ومعاهد لغات خاصة، ويحصلون عادة على مزايا مثل سكن مجاني أو بدل سكن وتذاكر سفر سنوية وتأمين صحي. يجدر بالذكر أن أصحاب هذه الوظائف بحاجة عادةً إلى شهادة جامعية وشهادة TEFL/TESOL، ومع أن كون الشخص “ناطقًا أصليًا” بالإنجليزية ميزة، إلا أن الكثير من العرب ذوي الطلاقة العالية في الإنجليزية نجحوا في هذا المجال. وبالمثل، توجد فرص متزايدة لتدريس لغات أجنبية أخرى (مثل العربية) في الجامعات أو المراكز الثقافية مع تزايد الاهتمام الصيني بالعالم العربي.

  • قطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات: تعجّ مدن مثل شنتشن وبكين بشركات تقنية عملاقة (كعلي بابا وتينسنت وهواوي) وبشركات ناشئة مبتكرة، مما يخلق طلبًا على مهندسي البرمجيات وأخصائيي تقنية المعلومات المهرة. تجذب الصين الخبرات الأجنبية في مجالات كالذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتطوير البرمجيات المتقدمة. فالمهندس أو المبرمج الأجنبي قد يجلب منظورًا مختلفًا أو معرفة متخصصة، خاصة في المشاريع التي تستهدف الأسواق العالمية. تتميز هذه الوظائف برواتب تنافسية جدًا وإمكانية العمل على مشاريع تقنية رائدة. بعض هذه الوظائف قد لا تتطلب إتقان اللغة الصينية إذا كانت ضمن فرق دولية، لكن تعلم بعض الصينية يظل مفيدًا في بيئة العمل.

  • التسويق وصناعة المحتوى الدولي: مع ازدياد تطلع الشركات الصينية للتوسّع عالميًا، برزت حاجة لتوظيف أجانب في أدوار التسويق والتواصل، ممن يفهمون الأسواق الخارجية. على سبيل المثال، قد يعمل المهني العربي في شركة صينية كمختص تسويق رقمي يستهدف الشرق الأوسط، أو ككاتب محتوى باللغة الإنجليزية والعربية لتطوير مواد تسويقية تراعي الثقافة العربية. كذلك توظف بعض الشركات الكبرى مختصين أجانب في العلاقات العامة وإدارة العلامات التجارية لضمان مخاطبة الجمهور العالمي بفعالية. هذه المجالات تتطلب إبداعًا وفهمًا عميقًا لكل من الثقافة الصينية والثقافات الأجنبية، مما يجعل العربي المطلع على كلا الجانبين قيمة مضافة.

  • الهندسة والتخصصات الفنية المتقدمة: رغم أن الصين تخرّج عددًا هائلاً من المهندسين سنويًا، إلا أن هناك مجالات هندسية تحتاج خبرات أجنبية نوعية. نجد طلبًا على خبراء أجانب في هندسة الطيران والفضاء، الهندسة المدنية للمشاريع الدولية الضخمة، هندسة السيارات خاصة في شركات السيارات الكهربائية، وحتى في الهندسة المعمارية والتصميم لجلب رؤى جديدة. المهندسون الأجانب غالبًا ما يعملون في الشركات متعددة الجنسيات العاملة في الصين أو الشركات المحلية التي تستهدف المعايير العالمية. كما تضطلع بعض الوظائف الفنية بدور نقل المعرفة، حيث يقوم الخبير الأجنبي بتدريب الفرق المحلية على أحدث التقنيات والمعايير الدولية.

  • الضيافة والسياحة الدولية: مع تنامي السياحة في الصين واستضافة البلاد لأعداد متزايدة من الزوار الأجانب (وكذلك ارتفاع عدد السياح الصينيين الداخليين)، برزت الحاجة إلى محترفين أجانب في قطاع الفندقة والسياحة. على سبيل المثال، يتم توظيف عرب وأجانب في إدارة الفنادق الدولية أو المنتجعات، خاصة في المدن التي تجذب الزوار من الشرق الأوسط. يقوم هؤلاء بضمان ملاءمة الخدمات للمعايير العالمية وتوفير أجواء ترحيبية تلبي توقعات الضيوف من ثقافات مختلفة. أيضًا، يعمل بعض العرب كمستشارين للسياحة أو مرشدين سياحيين معتمدين للوفود التي تتحدث العربية.

  • الأعمال والتجارة الدولية: بحكم موقعهم كلغة وثقافة، يتمتع المهنيون العرب بميزة في قطاع التجارة والأعمال بين الصين والشرق الأوسط. كثير من الشركات الصينية التي تتوسع في الأسواق العربية أو الإفريقية تسعى لتوظيف عرب للمساعدة في إدارة العلاقات مع العملاء والشركاء هناك. هذه الأدوار تشمل إدارة التصدير والاستيراد، تطوير الأعمال الدولية، الاستشارات التجارية، وغيرها. في مدينة مثل شانغهاي، وهي مركز مالي وتجاري عالمي، تجد متخصصين أجانب في شركات استثمار وتمويل يديرون محافظ موجهة للأسواق الناشئة بما فيها الشرق الأوسط. قدرة العربي على التحدث بلغته الأم وفهم ثقافة عملائه مع إلمامه بالسوق الصيني تجعله صلة وصل لا غنى عنها لكثير من الشركات.

  • مجالات أخرى متنوعة: هناك أيضًا فرص في مجال الاستشارات الإدارية حيث تستفيد الشركات من خبرات مستشارين دوليين لمواكبة المعايير العالمية. كذلك يرتفع الطلب على المترجمين الفوريين والمترجمين التحريريين خاصة باللغات الأقل شيوعًا في الصين مثل العربية؛ فمع تزايد اللقاءات التجارية والمؤتمرات بين الصين والدول العربية، وجود مترجمين محترفين يجيدون اللغتين بات ضرورة (بعض العرب عملوا في هذا المجال بعد إتقانهم الصينية). ولا ننسى قطاع الرعاية الصحية المتخصصة، حيث تستقدم المستشفيات الدولية في المدن الكبرى أطباء أو ممرضين أجانب في تخصصات نادرة أو لتقديم خدمات للوافدين. وأخيرًا، في المجال الثقافي والإبداعي، وجد بعض الفنانين والموسيقيين العرب مكانًا لهم في المشهد الفني الصيني المزدهر، إما كعازفين أو مدرّبين في أكاديميات فنية تبحث عن تنوع عالمي.

إجراءات الحصول على تأشيرة العمل (Z Visa) ومتطلباتها:

للعمل بشكل قانوني في الصين، يحتاج الأجنبي إلى الحصول على تأشيرة العمل فئة (Z) وهي التأشيرة المخصصة للأفراد الذين سيعملون في الصين بشكل عقود عمل رسمية. العملية تمر بعدة خطوات رسمية ينبغي فهمها جيدًا:

  1. عرض العمل وتصريح العمل: بدايةً، على المهني العربي تأمين عرض عمل من جهة صينية (شركة أو مؤسسة). يقوم صاحب العمل بدوره بالتقدّم للسلطات المحلية للحصول على تصريح العمل للأجنبي (يسمى أحيانًا “رخصة توظيف外国人工作许可证”). للحصول على هذا التصريح، يجب أن تستوفي شروطًا معينة تعتمد على المؤهلات والخبرة؛ فعادةً تشترط الصين أن يكون لدى المتقدم درجة بكالوريوس على الأقل مع خبرة سنتين في مجال العمل (يُعفى من شرط الخبرة أحيانًا من يحمل درجات عليا أو في حالات خاصة كمعلمي اللغة). يتم تصنيف العاملين الأجانب إلى فئات (A، B، C) حسب الكفاءة والحاجة – الفئة A لأصحاب الخبرات العالية أو التخصصات النادرة. بعد موافقة السلطات على طلب تصريح العمل الذي يقدمه صاحب العمل الصيني، يُمنح “إشعار تصريح العمل” (وهو مستند إلكتروني أو ورقي) والذي يستعمله المتقدم لاحقًا لطلب التأشيرة.

  2. طلب تأشيرة العمل (Z) من السفارة: باستخدام عرض العمل وإشعار تصريح العمل الصادر عن الصين، يتوجه المتقدم إلى السفارة أو القنصلية الصينية في بلده لتقديم طلب تأشيرة (Z). المطلوب عادةً يشمل: جواز السفر، استمارة طلب التأشيرة مُعبأة، صورة شخصية، إشعار تصريح العمل الأصلي أو المطبوع، أحيانًا خطاب عدم ممانعة من جهة العمل الحالية (إن وجد)، وفحص طبي. رسوم إصدار التأشيرة تختلف حسب الجنسية (لكنها بحدود 60-150 دولار). تصدر تأشيرة Z غالبًا بدخول لمرة واحدة وصلاحية 30 يومًا من الوصول إلى الصين.

  3. إجراءات ما بعد الوصول – تصريح الإقامة: بعد دخول الصين بتأشيرة Z، أمام الشخص 30 يومًا لاستكمال الفحص الطبي محليًا (في مراكز صحية معتمدة) ثم التقدم إلى إدارة الهجرة لإصدار تصريح إقامة للعمل (إقامة مؤقتة). تصريح الإقامة عادةً يكون لمدة سنة قابلة للتجديد سنويًا طوال فترة عقد العمل. هذا التصريح أشبه ببديل التأشيرة ويسمح لحامله بالبقاء في الصين بشكل قانوني متعدد الدخول والخروج. تجدر الإشارة إلى أن صاحب العمل يلعب دورًا في هذه المرحلة أيضًا، إذ عليه تقديم عقود العمل وغيرها للجهات الحكومية.
    من المهم جدًا أن يدرك المهني العربي أن العمل في الصين دون الحصول على هذه التصاريح يعرضه وصاحب العمل لمخالفات قانونية خطيرة. لذلك، أي عرض عمل جدي يجب أن يتبعه قيام الشركة بإتمام إجراءات تصريح العمل. بعض الشركات تستعين بمكاتب مختصة لتسهيل هذه العملية للأجنبي. أيضًا، هناك أنواع أخرى من التأشيرات قد تكون ملائمة في ظروف معينة: مثلاً، تأشيرة (R) مخصصة للخبراء أصحاب المهارات العالية جدًا التي تحتاجها الصين بشكل عاجل، وهي تمنح تسهيلات أكثر (مدة أطول وإجراءات أسرع). أما تأشيرة (M) فهي تخص رجال الأعمال والأنشطة التجارية قصيرة الأجل وليست للعمل الثابت. وبالنسبة للمتدربين أو حديثي التخرج، قد تتوفر تأشيرة تدريب عملي (internship) تحت مسمى تأشيرة X (دراسة) مع تصريح خاص أو عبر اتفاقيات بين الصين ودولهم. لذا يُنصح بالاستفسار عن الخيارات المتاحة حسب الهدف.
    خلاصة القول: للحصول على حق العمل في الصين، تحتاج إلى صاحب عمل كفيل، ومؤهلات تلبي المتطلبات، والقليل من الصبر لإتمام الإجراءات الورقية. التأشيرة (Z) هي بوابتك القانونية للعمل، وبعدها بتحويلها إلى إقامة عمل ستنضم رسميًا إلى القوى العاملة في الصين.

الرواتب وساعات العمل وثقافة بيئة العمل في الصين:

تختلف رواتب العاملين الأجانب في الصين بشكل واسع اعتمادًا على القطاع والمستوى الوظيفي والمدينة. بشكل عام، تقدم الشركات في المدن الكبرى رواتب أعلى لمواكبة تكاليف المعيشة الأعلى هناك. لكن نظرة عامة على متوسط دخل الأجانب تشير إلى أنه شهد ارتفاعًا خلال العقد الماضي؛ إذ كان متوسط الراتب الشهري للأجنبي في الصين حوالي 20 ألف يوان عام 2014 وارتفع إلى نحو 25 ألف يوان عام 2024 (أي ما يقارب 3,500 دولار أمريكي). هذا المتوسط يشمل مختلف القطاعات والمستويات. لفهم أكثر: في قطاع التعليم مثلاً، يتراوح راتب معلم اللغة الأجنبية ما بين 10,000 إلى 20,000 يوان شهريًا (1500-3000 دولار) في معظم المدارس، وقد يصل لأكثر من ذلك في المدارس الدولية المرموقة. في قطاع التكنولوجيا والهندسة، قد يتقاضى المهندس الأجنبي بين 20,000 إلى 40,000 يوان (3000-6000 دولار) شهريًا، ويمكن أن يزيد عن ذلك للخبراء الكبار أو المناصب العليا. أما قطاعات التمويل وإدارة الأعمال فتكون الرواتب أعلى نسبيًا؛ فالمديرون التنفيذيون أو المختصون في البنوك والاستثمار قد يحصلون على 30,000 إلى 60,000 يوان (4500-9000 دولار) شهريًا، وبعض المناصب العليا جدًا تتجاوز 100,000 يوان. في القطاع الطبي للأجانب (كالأطباء في المستشفيات الموجهة للأجانب)، الرواتب أيضًا مرتفعة، غالبًا بين 30,000 إلى 80,000 يوان حسب التخصص والخبرة. يجدر بالمحترفين العرب أن يوازنوا الراتب المعروض مع تكلفة المعيشة في المدينة المعنية؛ فراتب 20 ألف في مدينة صغيرة قد يوفر مستوى معيشة ممتاز، بينما في شنغهاي أو شنتشن يعتبر ضمن المستوى المتوسط.
بالانتقال إلى ساعات العمل وثقافتها: ينص قانون العمل الصيني على نظام عمل قياسي 40 ساعة أسبوعيًا (8 ساعات يوميًا) مع يومي عطلة أسبوعية. العمل الإضافي (ساعات تتجاوز الدوام الرسمي) مُنظم قانونًا بحيث يُدفع 1.5 ضعف الأجر عن الساعات الإضافية في أيام الأسبوع، وضعف الأجر إذا كان العمل يوم السبت أو الأحد، وثلاثة أضعاف إذا كان العمل في عطلة رسمية. هذه القوانين تهدف لحماية الموظفين، وقد أكدت المحكمة العليا الصينية أن نظام العمل الشاق المعروف بـ”996″ (أي من 9 صباحًا إلى 9 مساءً ستة أيام أسبوعيًا) غير قانوني. وبالفعل شهدت السنوات الأخيرة حملات لتشجيع الشركات على الالتزام بمعايير الدوام وتخفيف الضغط على الموظفين. على أرض الواقع، ثقافة العمل في الصين يمكن أن تختلف من شركة لأخرى: فشركات التقنية مثلًا اشتهرت سابقًا بثقافة ساعات العمل الطويلة (رغم عدم قانونيتها) لتحقيق أهداف طموحة، لكن هناك توجه متزايد حاليًا لتقليل ذلك والالتزام بمعايير العمل الإنساني. في المقابل، مؤسسات حكومية أو شركات تقليدية قد تلتزم تمامًا بجدول 8-5 وعطلة نهاية الأسبوع. من المهم أن يستفسر المهني عن عادات شركته المحددة – بعض الشركات الصينية قد تتوقع من الموظف مرونة في الدوام عند وجود مواعيد تسليم ضيقة أو مشاريع كبرى، في حين أن شركات عالمية تعمل في الصين غالبًا تتبع ثقافة العمل الدولية المعتادة.
بيئة العمل الصينية عمومًا تتسم بـالاحترافية والالتزام، مع قيم مثل احترام التسلسل الإداري والعمل الجماعي. يولي الصينيون مفهوم “العلاقات” أو guanxi (قوانشي) أهمية كبيرة، أي بناء شبكة علاقات جيدة في العمل تساعد في إنجاز الأمور بسلاسة. لذا يستفيد المهني العربي من قضاء وقت في التعارف وبناء الثقة مع زملائه ومدرائه، سواء عبر اجتماعات عمل رسمية أو مناسبات اجتماعية خارج الدوام. أيضًا، الاحترام وإظهار التواضع والتفاني في العمل تحظى بتقدير بالغ. قد يلاحظ العربي بعض الفروق الثقافية: مثلًا يميل الصينيون إلى التواصل غير المباشر نسبيًا للحفاظ على الوئام (تجنب النقد العلني المباشر)، ويقدرون مبدأ “حفظ ماء الوجه” في التعاملات، وهذا يعني أنه من الأفضل توخي اللباقة عند إبداء الملاحظات أو الانتقادات. كذلك هناك تقليد انتشار العمل الجماعي والنقاش ضمن الفريق قبل اتخاذ القرارات، خاصة في الشركات المملوكة للدولة. بالنسبة للغة، تتبنى العديد من الشركات متعددة الجنسيات اللغة الإنجليزية كلغة عمل أو خليطًا من الصينية والإنجليزية. لكن في الشركات المحلية، ستتم معظم الاجتماعات والنقاشات بالصينية، لذا محاولة تعلم المزيد من اللغة أثناء العمل سيساعد المهني العربي في الاندماج وكسب الاحترام وربما الارتقاء لمنصب أعلى. لحسن الحظ، يجد كثير من العرب أن زملاءهم على استعداد لمساعدتهم في التغلب على حاجز اللغة في البداية. ومع مرور الوقت، سيتعوّد الشخص على بعض المصطلحات المهنية الصينية الأساسية.
ولا بد من الإشارة إلى جانب الامتيازات: توفر العديد من الوظائف للأجانب مزايا إضافية ضمن حزمة التوظيف، كالتأمين الصحي الخاص الدولي، وتعويضات السكن أو سكن مجاني، وبدل طيران سنوي لزيارة الوطن، وربما مكافآت أداء سنوية. تأكد من معرفة حقوقك وفق العقد، فالقانون يلزم صاحب العمل بإبرام عقد خطي مع الموظف خلال شهر من بدء العمل، كما يضمن لك الاشتراك في نظام الضمان الاجتماعي الصيني (تأمين التقاعد والبطالة والإصابات والتأمين الطبي والأمومة) حيث يساهم الموظف والشركة بنسب معينة شهريًا. هذه المساهمات قد تؤثر على صافي الراتب لكنها توفر تغطيات مهمة، بل ويمكن للموظف استرداد جزء منها (كتأمين التقاعد) عند مغادرة الصين نهائيًا وفق إجراءات محددة.
بشكل عام، يجد العرب الذين عملوا في الصين أن بيئة العمل هناك سريعة الوتيرة ومحفزة للتعلم. سيتعين عليك ربما العمل بجد ومرونة، لكنك بالمقابل ستكتسب مهارات جديدة وتتعامل مع أحد أكبر أسواق العالم. إن ثقافة “النجاح ممكن بتحقيق نتائج” حاضرة بقوة، وإذا أثبت الموظف الأجنبي كفاءته وساهم بأفكار مميزة، فسيحظى بالتقدير وربما الترقية السريعة بغض النظر عن جنسيته. العديد من الشركات الصينية تتبنى رؤية عالمية الآن وتدرك قيمة التنوع في فرق عملها، لذا فالمهني العربي المتمكن لديه فرصة ليكون جزءًا من قصص النجاح القادمة في الصين.

تحديات وفرص التوظيف للعرب في الصين:

لا يخلو الأمر من تحديات يجب أن يضعها المهني العربي في الحسبان.

أولها حاجز اللغة والثقافة؛ فمع أن كثيرًا من الصينيين في الشركات الدولية يتحدثون الإنجليزية، تظل إجادة اللغة الصينية مفتاحًا لتوسيع الفرص والترقيات. لذا قد يكون التحدي الأول هو استثمار الوقت في تطوير اللغة والتعرف على أساليب التواصل المحلية.

ثانيًا، التنافسية: يحمل الصينيون عمومًا مؤهلات عالية وأخلاقيات عمل جادة، وسوق العمل هناك تنافسي حتى بين أبناء البلد، ما يعني أن الأجنبي يجب أن يثبت نفسه بقيمة مضافة حقيقية (كمعرفة سوق معين أو مهارة تقنية نادرة) ليتم تفضيله في التوظيف. أيضًا، هناك تحدي الإجراءات البيروقراطية؛ فالانتقال للعمل في الصين يتطلب إعداد أوراق واعتماد شهادات وربما ترجمتها، والتعامل مع قوانين التأشيرات التي قد تتغير أحيانًا. من التحديات أيضًا موضوع الاستقرار الطويل الأمد: فالصين لا تمنح الإقامة الدائمة بسهولة للأجانب، وعادة ما يرتبط بقاؤك بتجديد عقد العمل وتصريح الإقامة سنويًا. ورغم أن بعض المدن بدأت تجارب في تسهيل الإقامة الدائمة للكفاءات (مثل شنغهاي وبكين ضمن نقاط تقييم معينة)، يظل هذا الأمر محدودًا. بالتالي من الجيد الاحتفاظ بخطة مستقبلية بديلة في حال انتهى عملك في الصين ولم تجد آخر خلال فترة الإقامة الممنوحة.
على الجانب الآخر، الفرص outweigh التحديات (تفوق التحديات). فمن الفرص الكبرى هي الانخراط في اقتصاد ضخم نابض بالنمو المستمر والابتكار. ستتاح للمهني العربي فرصة تعلم أفضل الممارسات في مجاله ضمن بيئة ذات معايير عالية. أيضًا، مجرد التواجد كمحترف عربي في الصين يعني أنك تمثل حلقة وصل، وبالتالي يمكنك بناء شبكة علاقات (guanxi) ثرية مع زملاء صينيين وأجانب، وهذه الشبكة قد تثمر مشاريع مشتركة مستقبلية سواء في الصين أو في الشرق الأوسط. كثير من الشركات تبحث حاليًا عن من يستطيعون فهم ثقافة الشرق الأوسط والصين معًا لتعزيز أعمال مبادرة “الحزام والطريق” الصينية في العالم العربي. وهنا تكمن فرصة ريادية: يستطيع بعض المهنيين العرب أن يصبحوا مستشارين أو وسطاء أعمال بين الشركات الصينية وأسواقهم المحلية. مثال على ذلك، نجد مدينة يي وو (义乌) في شرق الصين أصبحت موطنًا لحوالي 4000 تاجر من شمال أفريقيا والشرق الأوسط جاءوا لتحقيق “الحلم الصيني” في التجارة. هؤلاء لعبوا دور الوسطاء في تصدير المنتجات الصينية إلى أسواقهم، وساهموا في رواج تجارة الجملة بشكل كبير حتى أن قرابة 47% من صادرات يي وو عام 2015 ذهبت لأسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من بينهم برزت أسماء لامعة لرجال أعمال عرب بنوا شركات ناجحة وربطوا اقتصاد الصين ببلدانهم. مثلًا، الشاب الأردني مهند شلابية بدأ عاملًا بسيطًا في مطعم عربي في الصين، ثم أسس مطعمه الخاص في ييوو وتوسع ليدير شركة تجارة، حتى نال تقدير الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيًا كنموذج ناجح للتعاون العربي الصيني. هذه القصص الملهمة تؤكد إمكانية نجاح العربي في الصين، بدءًا من وظائف عادية وصولًا لريادة الأعمال، عندما يستغل الفرص بثقة ويجتهد ويتكيف مع بيئة العمل.
من الفرص الأخرى المتاحة أن الحكومة الصينية تُطلق برامج لجذب الأجانب الموهوبين، مثل مناطق التجارة الحرة أو المشاريع التقنية التي ترحب بالخبرات العالمية. وقد تستفيد كمحترف من برامج حاضنات الأعمال إن كنت صاحب فكرة مشروع، حيث توجد منصات تدعم رواد الأعمال الأجانب بالتمويل والتسهيلات. كذلك الابتعاث الداخلي: بعض العرب الذين درسوا في الصين انتقلوا إلى العمل هناك عبر حصولهم على تدريب أو عمل مبدئي خلال الدراسة، لذا فإن استكمال الدراسات العليا في الصين قد يكون طريقًا للحصول على وظيفة محلية لاحقًا (لأنك ستكون بالفعل معتادًا على اللغة والسوق).


نصائح عملية للاستقرار والعمل:

أول نصيحة هي تعلم الصينية قدر الإمكان – حتى لو كانت وظيفتك لا تتطلب ذلك رسميًا، فإن تحدث بعض الصينية يحسن تواصلك اليومي ويظهر زملائك أنك تبذل جهدًا، مما ينعكس إيجابًا على اندماجك.

ثانيًا، فهم ثقافة العمل: اقرأ عن عادات العمل الصينية، واسأل زملاءك بلطف إن استشكل عليك أمر. مثلاً، إن كنت معتادًا على أسلوب تواصل مباشر وصريح، حاول تلطيفه قليلًا بما يتناسب مع حساسية الثقافة المحلية.

ثالثًا، الالتزام بالقوانين: احرص على تجديد إقامتك في الوقت المحدد، واحتفظ بنسخ من عقدك وأوراقك المهمة. الصين بلد يحترم القوانين بصرامة وخاصة ما يتعلق بوضع الأجانب القانوني، فكن دائمًا في الجانب الآمن.

رابعًا، الاستفادة من المجتمع المحيط: انضم لمجموعات المهنيين الأجانب في مدينتك – هناك تجمعات على تطبيق WeChat مثلًا للوافدين في كل مدينة (Expat Groups) يتبادلون فيها المعلومات والنصائح بدءًا من أفضل شرائح اتصال جوال إلى نصائح الضرائب. أيضًا تواصل مع السفارة أو القنصلية العربية القريبة منك، سجل لديهم بياناتك فقد يقدمون دعمًا اجتماعيًا أو على الأقل تعرف مجتمع أبناء بلدك.

خامسًا، الاهتمام بالصحة والتأمين: كما ذكرنا، تأكد أنك مشترك في التأمين الصحي واستكشف المستشفيات الدولية أو العيادات الجيدة القريبة لمكان عملك. وبالنسبة للطعام، إن لم تكن معتادًا على المطبخ الصيني بكل تفاصيله، الصين بلد متنوع في الطعام وستجد خيارات تناسبك، فقط قد تحتاج للبحث عن المطاعم الحلال أو استخدام التطبيقات للعثور عليها.
في الختام، يمثل العمل في الصين تجربة ثرية على الصعيدين المهني والشخصي للمهنيين العرب. صحيح أنه تحدٍ الخروج من منطقة الراحة والذهاب إلى بيئة بعيدة ومختلفة، لكن العوائد قد تكون كبيرة. فالصين اليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومركز للابتكار في عدة مجالات، ومن يشارك في هذه المسيرة سيكتسب خبرات لا تقدر بثمن. ومع تعمّق العلاقات العربية الصينية، سيكون للمهنيين العرب دور محوري في تعزيز التعاون ونقل المعرفة بين الجانبين. فإذا كنت شابًا عربيًا طموحًا، تمتلك المهارة والرغبة في التعلم والتكيف – فإن أبواب الصين مفتوحة لك لتبدأ فصلًا جديدًا من النجاح في مسيرتك المهنية. بالتخطيط السليم والتحلي بالصبر والإيجابية، قد تصبح أنت قصة النجاح القادمة التي يُحتذى بها في سجل التعاون العربي – الصيني.