الصين الحديثة: آفاق جديدة في عالم السياحة

تُقدم الصين الحديثة نموذجاً فريداً للتطور، حيث تتسارع وتيرة الابتكار والتنمية لتشكل آفاقاً جديدة في عالم السياحة. من المدن التي تُعانق السحاب إلى شبكات النقل فائقة السرعة، ومن التقنيات الذكية التي تُعيد تعريف التجربة السياحية إلى الوجهات البيئية الصديقة للبيئة، تُظهر الصين قدرتها على دمج التراث العريق مع رؤية مستقبلية جريئة.

مدن المستقبل: الحداثة والتنمية

تُعد المدن الصينية الحديثة مراكز حيوية للابتكار والتطور، حيث تُقدم مزيجاً فريداً من العمارة المعاصرة، والتكنولوجيا المتقدمة، مع الحفاظ على لمسات من التراث الثقافي.

شنغهاي: أيقونة الحداثة والابتكار

تُعتبر شنغهاي مدينة تجمع بين العراقة والحداثة، وتُعد أيقونة للتطور والابتكار في الصين. يبرز أفق المدينة بناطحات السحاب الشاهقة التي تُشكل معالم جذب رئيسية. من أبرزها برج لؤلؤة الشرق ، وبرج شنغهاي، الذي يُعد واحداً من أطول الأبراج في العالم، ويُقدم إطلالات بانورامية خلابة على أفق المدينة، بالإضافة إلى احتوائه على مطاعم فاخرة ومتاجر راقية. إن صعود شنغهاي السريع كمركز مالي وتكنولوجي عالمي، والذي ترمز إليه ناطحات السحاب الأيقونية، يُعد بحد ذاته عامل جذب سياحي رئيسي، حيث تُقدم هذه العجائب المعمارية الحديثة تجارب متكاملة تعكس القوة الاقتصادية والرؤية المستقبلية للصين.

على الرغم من حداثتها، تحتفظ شنغهاي بجزء من تاريخها وثقافتها التقليدية في مناطق مثل حديقة يو يوان والمدينة القديمة. هذا المزيج بين المرافق الحديثة والمناطق التاريخية المحفوظة يُظهر نهجاً استراتيجياً في السياحة الحضرية يلبي اهتمامات متنوعة للزوار. كما تُقدم الرحلات البحرية في نهر هوانغبو إطلالات ساحرة على أفق المدينة ليلاً. تُعد شنغهاي أيضاً وجهة رئيسية للسياحة الداخلية في الصين.

شنتشن: مركز التكنولوجيا والسياحة الذكية

تُعرف شنتشن بأنها المدينة التي يلتقي فيها المستقبل بالتقاليد، وهي مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار. على الرغم من تطورها السريع، تحتضن المدينة تراثاً ثقافياً غنياً يُبهر المسافرين. تُظهر خطة شنتشن الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025) توجهاً واضحاً نحو تحسين مسارات السياحة التكنولوجية، من خلال دمج شركات التكنولوجيا المتطورة والمرافق العلمية في العروض السياحية. هذا التركيز على “السياحة التكنولوجية” يمثل حدوداً جديدة في تنويع المنتجات السياحية، ويجذب شريحة جديدة من المسافرين المهتمين بالابتكار والتنمية الحضرية، متجاوزين بذلك الجاذبيات التاريخية أو الطبيعية التقليدية.

تُقدم شنتشن مزيجاً من الرقي الحضري والجمال الطبيعي، مع مناطق رئيسية مثل فوتيان (المركز المدني، المكتبة، المتحف، كوكو بارك)، و نانشان (ميناء OCT، المأكولات البحرية)، و لوهو (شارع دونغمين للمشاة، كينغكي 100، حديقة ليزي)، بالإضافة إلى مناطق لونغ قانغ وبينغشان التي تضم قرى هاكا التقليدية وقلعة دابنغ والشواطئ. إن قدرة المدينة على دمج هويتها التكنولوجية المتطورة مع تراثها الثقافي الغني تُقدم نموذجاً شاملاً ومستداماً للسياحة الحضرية الحديثة.

بكين الحديثة: مزيج من الأصالة والمعاصرة

تُعد بكين، عاصمة الصين، وجهة سياحية رائدة تجمع بين الثراء الثقافي والتاريخي والتطورات المعاصرة. على الرغم من أنها تشتهر بمعالمها القديمة مثل سور الصين العظيم والمدينة المحرمة والقصر الصيفي ومعبد السماء ، إلا أنها تُقدم أيضاً وجهاً حديثاً ومبتكراً.

يُعد البرج الأولمبي في منطقة الألعاب الأولمبية المركزية مثالاً بارزاً على حداثة بكين، حيث يوفر منصة مشاهدة ممتازة تطل على المدينة القديمة والحديثة. كما أن الحديقة الأولمبية قد أزالت الحواجز وإجراءات التفتيش الأمني، مما جعلها أكثر سهولة للوصول إليها، وأصبحت حديقة الغابات الأولمبية موطناً للحياة البرية المتنوعة. إن قدرة بكين على دمج عجائبها القديمة مع بنيتها التحتية الحديثة ومواقعها الأولمبية تُظهر استراتيجية متعمدة لتقديم تجربة سياحية شاملة. يُعزز تحويل الأماكن الأولمبية إلى مساحات عامة يمكن الوصول إليها التزام بكين بالتنمية الحضرية المستدامة التي تفيد السكان المحليين والسياح على حد سواء، مما يُرسخ صورتها كمدينة تحترم ماضيها بينما تحتضن المستقبل. تُعد بكين أيضاً مركزاً رئيسياً للسياحة الداخلية.

البنية التحتية الداعمة للسياحة

تُشكل البنية التحتية المتطورة في الصين ركيزة أساسية لنمو القطاع السياحي، حيث تُسهل التنقل وتُعزز تجربة الزوار.

شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة: ثورة في حركة السياح

تُعرف الصين بامتلاكها أطول شبكة سكك حديدية فائقة السرعة في العالم. تصل سرعات القطارات إلى 350 كيلومتراً في الساعة، مما يجعل السفر بين المدن أسرع وأكثر راحة من الطيران في العديد من المسارات، خاصة عند الأخذ في الاعتبار وقت التنقل إلى المطارات. تقع محطات القطار في مراكز المدن، مما يوفر وقت التنقل ويجعلها أكثر ملاءمة للمسافرين.

تُغطي شبكة السكك الحديدية عالية السرعة أكثر من 48 ألف كيلومتر، وتربط جميع المدن الكبرى تقريباً، ومن المتوقع أن تكون 96.88% من المدن الصينية التي يزيد عدد سكانها عن 500 ألف نسمة مزودة بهذه الشبكة بحلول عام 2024. هذا يعني أن السفر يستغرق وقتاً قصيراً بين المدن في نفس المنطقة الحضرية (0.5 إلى 2 ساعة) وبين المدن الكبرى عبر المقاطعات (2 إلى 4 ساعات)، مما يُسهل على السياح استكشاف مناطق متعددة. على سبيل المثال، يربط خط بكين-قوانغتشو السريع بين شمال الصين وجنوبها، ويقلل وقت السفر من أكثر من 20 ساعة إلى 8 ساعات فقط. كما ساعد خط بكين-تشانغجياكو السريع في تحويل تشانغجياكو إلى نقطة جذب للسياحة التزلجية.

يُعد الاستثمار الضخم في السكك الحديدية فائقة السرعة محركاً استراتيجياً للسياحة، حيث يُمكن السياح من تغطية مساحات أكبر واستكشاف مناطق متنوعة بسهولة أكبر. هذا التوسع يُضفي طابعاً ديمقراطياً على السفر داخل الصين ويُعزز نمو أنواع مختلفة من السياحة. كما أن اللافتات ثنائية اللغة والإعلانات الهامة باللغة الإنجليزية في القطارات تُسهل التنقل للزوار الأجانب، وتُقدم بعض القطارات وجبات إقليمية وحتى قطارات ذات طابع خاص، مما يُعزز التجربة الثقافية للسياح. تخطط الصين لتوسيع الشبكة إلى 60 ألف كيلومتر بحلول عام 2030، مما سيُنشئ دوائر سفر مدتها من ساعة إلى ثلاث ساعات بين جميع المناطق الحضرية الرئيسية.

تطوير المطارات والطرق: تعزيز الاتصال

بالإضافة إلى شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة، تستثمر الصين بشكل كبير في تطوير المطارات والطرق. تمتلك البلاد أطول شبكات الطرق والسكك الحديدية فائقة السرعة في العالم ، وتُبنى ما يقرب من عشرة مطارات سنوياً، وهو ما يفوق أي دولة أخرى. هذه الشبكات المتكاملة تُشكل نظاماً بيئياً للنقل يتسم بالشمولية والكفاءة. يضمن هذا النهج متعدد الوسائط أن جميع أنواع الوجهات، من المدن الصاخبة إلى المناطق الطبيعية النائية ، يمكن الوصول إليها بسهولة. يُعد هذا البنية التحتية القوية شرطاً أساسياً لنمو السياحة المستدام، حيث تُمكن السفر السلس وتُدعم المساهمة الاقتصادية الشاملة للقطاع.

الإحصائيات والأثر الاقتصادي

يُعد قطاع السياحة في الصين مكوناً حيوياً للاقتصاد الوطني، حيث يُظهر مساهمة متزايدة في الناتج المحلي الإجمالي وأرقاماً متغيرة للزوار تعكس مرونة القطاع وقدرته على التكيف.

مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي الصيني

تُعتبر السياحة صناعة ركيزة في الصين، حيث تُساهم بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في عام 2022، بلغت القيمة المضافة لقطاع السياحة والصناعات المرتبطة به 3.71% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2023، ارتفعت القيمة المضافة لقطاع الثقافة والصناعات ذات الصلة إلى 4.59% من الناتج المحلي الإجمالي (5.95 تريليون يوان)، بينما بلغت القيمة المضافة للسياحة والصناعات ذات الصلة 4.24% من الناتج المحلي الإجمالي (5.48 تريليون يوان). هذا يُظهر أن السياحة ليست مجرد قطاع خدمات، بل هي محرك اقتصادي استراتيجي.

تُشير الدراسات إلى أن المعالم السياحية لها تأثير إيجابي كبير على النمو الاقتصادي، خاصة في المناطق الشرقية والوسطى من الصين. هذا التأثير يُبرز الأساس المنطقي لاستثمارات الحكومة في البنية التحتية السياحية والترويج. وتُشير التوقعات إلى أن إيرادات السياحة قد تتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2033، مع إيرادات تراكمية تُقدر بـ 2.8 تريليون دولار على مدى عشر سنوات.

 

اتجاهات أعداد الزوار الدوليين والمحليين وإيرادات السياحة (2019-2024)

 

شهدت السياحة في الصين تقلبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، متأثرة بشكل خاص بجائحة كوفيد-19، لكنها تُظهر علامات قوية على التعافي.

جدول 2: إحصائيات السياحة الرئيسية في الصين (2019-2024)

المؤشر201920202021202220232024 (تقديري)
الزوار الدوليون (مليون)

65.7 / 491.1

8.0

5.7

25.3

35.5

32.0

إيرادات السياحة الدولية (مليار دولار أمريكي)

35.83

10.00

11.33

13.58

24.80

39.70

مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي (%)

10

(انخفاض ملحوظ)

(لا تتوفر بيانات مباشرة)

3.71

4.24

(لا تتوفر بيانات مباشرة)
الزوار المحليون (مليار)

6.09 / 5

2.879

(لا تتوفر بيانات مباشرة)(لا تتوفر بيانات مباشرة)

(تعافٍ سريع، يتجاوز مستويات 2019 بحلول 2024)

(يتجاوز مستويات 2019 بحلول 2024)

  • الزوار الدوليون: شهدت أعداد الزوار الدوليين انخفاضاً حاداً بنسبة 88% في عام 2020 ، واستمر هذا الانخفاض في عام 2021 بنسبة 72% مقارنة بعام 2019. بدأت الأعداد في التعافي تدريجياً في عامي 2022 و2023، لكنها لا تزال أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2024، حيث بلغت 32 مليون زائر، أي أقل بنسبة 51% من عام 2019. كان الغرض الأساسي للزيارة في عام 2024 هو الترفيه ومشاهدة المعالم السياحية (حوالي الثلث). وكان متوسط مدة الإقامة 2.84 يوماً. وتُشير البيانات إلى أن معظم الزوار في عام 2019 كانوا من هونغ كونغ، وماكاو، وميانمار، وفيتنام، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وروسيا، واليابان، والولايات المتحدة.

  • إيرادات السياحة الدولية: تراجعت الإيرادات بشكل كبير من 35.83 مليار دولار في عام 2019 إلى 10 مليارات دولار في عام 2020. ومع ذلك، شهدت الإيرادات تعافياً ملحوظاً، حيث وصلت إلى 24.80 مليار دولار في عام 2023 (بزيادة 83% عن 2022) ، وتجاوزت مستويات ما قبل الجائحة في عام 2024 لتصل إلى 39.70 مليار دولار (بزيادة 60% عن 2023 و11% عن 2019). هذا يشير إلى أن متوسط إنفاق الزائر قد ارتفع، حيث بلغ حوالي 141.32 دولاراً لكل رحلة في عام 2024.

  • الزوار المحليون: على النقيض من السياحة الدولية، شهدت السياحة الداخلية تعافياً سريعاً، حيث انخفض عدد الرحلات المحلية من 6.09 مليار في عام 2019 إلى 2.879 مليار في عام 2020. ومع ذلك، من المتوقع أن تتجاوز السياحة الداخلية مستويات ما قبل الجائحة بحلول عام 2024. وقد ساهم سكان المدن بـ 2.45 مليار زيارة في الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2024 (بزيادة 17.5% على أساس سنوي)، بينما شهدت السياحة الريفية طفرة قوية بـ 833 مليون زيارة (بزيادة 30.6% على أساس سنوي).

يُظهر هذا التباين في أرقام التعافي بين السياحة الدولية والمحلية مرونة القطاع وقدرة الحكومة على التكيف مع الظروف المتغيرة. فبينما تأثرت السياحة الدولية بشدة، نجحت الصين في تحويل تركيزها نحو السوق المحلي، مما أدى إلى انتعاش قوي. حقيقة أن إيرادات السياحة الدولية في عام 2024 قد تجاوزت مستويات 2019 على الرغم من انخفاض أعداد الزوار تشير إلى تحول نحو سياحة ذات قيمة أعلى أو إقامات أطول من قبل عدد أقل من الزوار، أو ربما تغير في أنماط الإنفاق.

التحديات والفرص المستقبلية

تُواجه صناعة السياحة في الصين تحديات متنوعة في مرحلة ما بعد الجائحة، لكنها في الوقت نفسه تستكشف فرصاً جديدة للنمو والتطور، مدعومة بسياسات حكومية مبتكرة وتوجهات عالمية متغيرة.

تأثير جائحة كوفيد-19 واستراتيجيات التعافي

كان لجائحة كوفيد-19 تأثير مدمر على صناعة السياحة العالمية، حيث انخفضت أعداد الوافدين الدوليين بنسبة 72% عن مستويات عام 2019 في عام 2021. كانت الصين من أوائل الدول المتضررة ، وشهدت السياحة الداخلية انخفاضاً كبيراً من 6.09 مليار رحلة في عام 2019 إلى 2.879 مليار في عام 2020. كما انخفضت السياحة الخارجية بنسبة 86.9% في عام 2020.

ومع ذلك، تُعرف الصين باستجابتها السريعة للتخفيف من آثار الجائحة واستراتيجيات التعافي. فقد تبنت تدابير صارمة لتتبع انتقال العدوى وسياسات إقليمية موجهة. وشهدت هذه الفترة زيادة كبيرة في منتجات سياحية جديدة مثل الرحلات العائلية، والجولات المستقلة، والسياحة الصحية، والسفر الشخصي إلى المناطق الطبيعية. كما تم الاستفادة من التقنيات الرقمية لإثراء تجارب السياح. وقد أدى ذلك إلى تعافٍ سريع للسياحة الداخلية، ومن المتوقع أن تتجاوز مستويات ما قبل الجائحة بحلول عام 2024. وقد استفادت السياحة المحلية بشكل كبير من هذه الظروف.

على الرغم من هذا التعافي، لا يزال تعافي السياحة الوافدة بطيئاً وغير مؤكد. يواجه المرشدون السياحيون المتمرسون صعوبات، ويُظهر الشباب اهتماماً قليلاً بالانضمام إلى المهنة. كما لوحظ انخفاض في عدد الزوار من الأسواق الرئيسية مثل الدول الغربية واليابان وكوريا الجنوبية، واستبدالهم بزوار من دول مجاورة مثل روسيا ومنغوليا وفيتنام، الذين يميلون إلى الإنفاق بشكل أقل. بالإضافة إلى ذلك، تُشكل “الأنظمة الصينية المركزية” تحدياً، مثل الاعتماد الكبير على الدفع عبر الهاتف المحمول، وصعوبة طلب سيارات الأجرة في الشارع، ومتطلبات جواز السفر لشراء تذاكر المترو، وعدم قبول بعض الفنادق للضيوف الأجانب، مما أثر على جاذبية السفر.

تسهيلات التأشيرات وسياسات جذب السياح الوافدين

تُعد سياسات التأشيرات أداة حاسمة لجذب السياح الدوليين، وقد اتخذت الصين خطوات استباقية لتسهيل الدخول إلى أراضيها. فقد وسعت الصين سياسات الإعفاء من التأشيرة. وتسمح حالياً بالدخول بدون تأشيرة لمدة 15 يوماً للمسافرين القادمين عبر الرحلات البحرية الدولية، بشرط أن يكونوا ضمن مجموعة سياحية مكونة من شخصين على الأقل ومنظمة من قبل وكالة سفر صينية.

كما وسعت الصين نطاق الإعفاء من التأشيرة لمدة 30 يوماً لمواطني دول معينة، مثل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، واليونان، وقبرص، وسلوفينيا، وذلك حتى ديسمبر 2025. وتُقدم أيضاً إعفاءات من تسجيل البصمات لبعض طالبي التأشيرات. تهدف هذه السياسات إلى تعزيز السياحة والأعمال، وتشجيع التبادل الثقافي، وزيادة القدرة التنافسية للصين كوجهة سياحية مقارنة بالوجهات المجاورة. وقد أدت هذه التسهيلات إلى زيادة ملحوظة في الزيارات الأجنبية إلى الصين بنسبة 83% بين عامي 2023 و2024.

صعود السياحة الذكية والتحول الرقمي في تجربة السياح

تُشكل التقنيات الحديثة، مثل الإنترنت، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية، والاتصالات المتنقلة، والمحطات الذكية، ثورة في صناعة السياحة الصينية. وقد تجاوز حجم سوق السياحة الثقافية الرقمية في الصين تريليون يوان (حوالي 140 مليار دولار أمريكي) بحلول نهاية عام 2023، مما يمثل أكثر من 30% من إجمالي صناعة السياحة الثقافية.

تُقدم تطبيقات السياحة الذكية تجارب فريدة للزوار الأجانب، مثل أجهزة التصوير الذكية التي تحول الصور إلى شخصيات صينية تقليدية، ونظارات الواقع الافتراضي التي تُمكن من استكشاف المناظر الطبيعية، وأنظمة الرفيق السياحي الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. تُساهم الرقمنة في جعل السفر أسهل وأكثر راحة للأجانب. كما أن أنظمة الحجز عبر الإنترنت وحلول الدفع عبر الهاتف المحمول واسعة الانتشار (مثل Alipay وWeChat Pay) تُعزز الراحة وتزيد من مستويات الإنفاق. وتُستخدم التقنيات الذكية أيضاً في إدارة المواقع السياحية، مثل أنظمة الحجز المسبق، ومراقبة تدفق الزوار، ومواقف السيارات الذكية. هذا التبني السريع لـ”السياحة الذكية” والحلول الرقمية يُشير إلى تحول جوهري في كيفية تجربة السياحة وإدارتها في الصين، مما يُمكنها من تلبية متطلبات المسافرين المعاصرين ويُرسخ مكانتها كقائد في الابتكار السياحي.

الاتجاهات الناشئة في تفضيلات المسافرين

تُظهر تفضيلات المسافرين الصينيين والدوليين تطوراً مستمراً، مما يُشكل فرصاً جديدة لتطوير المنتجات السياحية.

  • السفر الخارجي: تتزايد نية المسافرين الصينيين للسفر إلى الخارج باستمرار، حيث أبدى 75% منهم اهتماماً بالسفر الخارجي في عام 2025. تُعد معظم هذه الرحلات داخل آسيا (هونغ كونغ، ماكاو، اليابان، كوريا الجنوبية، تايلاند، سنغافورة). كما يتزايد الاهتمام بأفريقيا (كينيا، جنوب أفريقيا، المغرب)، مدفوعاً بالمحتوى الفيروسي على وسائل التواصل الاجتماعي.

  • السياحة الداخلية: لا تزال السياحة الداخلية عنصراً أساسياً للعديد من المسافرين الصينيين. وتُعد مدن مثل شنغهاي وبكين وسانيا من الوجهات المحلية الأكثر شعبية.

  • التعليم الترفيهي (“Edutainment”): هناك طلب متزايد على “التعليم الترفيهي” (مزيج من التعليم والترفيه) بين العائلات والشباب، حيث يبحثون عن تجارب تعليمية جذابة، مثل “بوب لاند” في بكين.

  • السفر المستقل: يكتسب السفر المستقل زخماً مطرداً، حيث يُمثل الآن 30% من جميع الرحلات، خاصة بين الشباب الذين يبحثون عن الحرية والمرونة. هذا التحول من السفر الجماعي (الذي لا يزال مهيمناً بنسبة 34%) يُشير إلى رغبة متزايدة في التجارب الشخصية واستكشاف الوجهات غير التقليدية.

  • السياحة البيئية: يتزايد الاهتمام بالسفر المستدام، حيث يُتوقع أن يصل سوق السياحة البيئية في الصين إلى 2.2 مليار دولار بحلول عام 2025. تُقدم وجهات مثل حديقة تشانغجياجيه الوطنية ووادي جيوتشايقو تجارب سياحة بيئية تركز على الحفاظ على البيئة ورفاهية المجتمعات المحلية. بالنسبة للمسافرين الصينيين، تُركز الاستدامة بشكل أكبر على المجتمعات المحلية بدلاً من البصمة الكربونية.

  • مصادر المعلومات: تُعد منصة Ctrip الأكثر استخداماً للمعلومات حول الوجهات الخارجية (69%)، خاصة للفئة العمرية 45-65 عاماً. بينما تُفضل الفئة العمرية 18-34 عاماً منصة Xiaohongshu (RedNote). تُعد وسائل التواصل الاجتماعي (50%) والروابط الاجتماعية (39%) مصادر إلهام رئيسية للسفر، حيث يُشارك 94% من المسافرين تجاربهم عبر الإنترنت.

إن التحول نحو السفر المستقل و”التعليم الترفيهي” يعكس مسافراً أكثر تميزاً ويبحث عن التجارب. هذا، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالسياحة البيئية والفهم الدقيق لـ”الاستدامة”، يُشير إلى سوق يُقدر السفر الأصيل والشخصي والمسؤول. يجب على الوجهات والمشغلين التكيف من خلال تطوير منتجات متخصصة والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتلبية هذه التفضيلات المتطورة، خاصة بين الأجيال الشابة التي تعتمد على التكنولوجيا.

الخلاصة

تُقدم الصين مزيجاً فريداً من التاريخ العريق، والثقافة الغنية، والحداثة المتطورة، مما يُرسخ مكانتها كوجهة سياحية عالمية لا مثيل لها. من عظمة سور الصين العظيم والمدينة المحرمة، إلى فنون أوبرا بكين والخط الصيني، مروراً بتجارب الطهي المتنوعة عبر المطابخ الإقليمية الثمانية، تُقدم الصين للزوار فرصة للانغماس في أصالة حضارة تمتد لآلاف السنين. في الوقت نفسه، تُبرز المدن العصرية مثل شنغهاي وشنتشن وبكين قدرة الصين على الابتكار والتطور، مدعومة ببنية تحتية سياحية متقدمة تشمل شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة والمطارات الحديثة.

على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، أظهر قطاع السياحة الصيني مرونة ملحوظة، خاصة في تعافي السياحة الداخلية. وتُشكل سياسات تسهيل التأشيرات، وصعود السياحة الذكية، والتحول الرقمي في تجربة السفر، بالإضافة إلى الاتجاهات الناشئة في تفضيلات المسافرين نحو التجارب المستقلة والتعليم الترفيهي والسياحة البيئية، فرصاً واعدة للنمو المستقبلي. من المتوقع أن تُواصل إيرادات السياحة في الصين نموها، لتتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2033، مع إيرادات تراكمية تبلغ 2.8 تريليون دولار على مدى عشر سنوات. هذا النمو سيُعزز بدعم حكومي مستمر وتحسينات في البنية التحتية ، بالإضافة إلى التوسع المستمر لشبكة السكك الحديدية عالية السرعة ، وتطوير السياحة الذكية. تُعد الصين بذلك وجهة ديناميكية تُقدم تجارب غنية ومتنوعة، وتُبشر بمستقبل مشرق في المشهد السياحي العالمي.