الصعود التكنولوجي في الصين: طموح، ابتكار، واعتماد على الذات

مقدمة: السعي نحو القيادة التكنولوجية العالمية

يُعد طموح الصين في أن تصبح رائدة عالميًا في مجال التكنولوجيا ركيزة أساسية لاستراتيجيتها الوطنية، مدفوعًا بضرورات التنمية الاقتصادية ومخاوف الأمن القومي. وقد اشتدت هذه الدفعة في ظل مشهد جيوسياسي معقد، خاصة مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى تركيز واضح على الابتكار المحلي والاعتماد على الذات. سيتناول هذا المقال المبادرات الرئيسية التي تدعم الصعود التكنولوجي للصين، بدءًا من الخطط الصناعية الشاملة مثل “صنع في الصين 2025” إلى التطور الدقيق لسياستها في مجال الذكاء الاصطناعي. كما سيتعمق في صناعة أشباه الموصلات الحيوية، ويبحث في تحديات المنافسة العالمية وجهود الصين الحثيثة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب القضية المثيرة للجدل المتعلقة بالحصول على الملكية الفكرية. وأخيرًا، سيسلط الضوء على التأثير التحويلي والتوسع العالمي لعمالقة التكنولوجيا الصينيين الرائدين الذين يشكلون الاقتصاد الرقمي.

“صنع في الصين 2025”: خطة صناعية وطنية

تُعد خطة “صنع في الصين 2025” (MIC 2025) حجر الزاوية في استراتيجية الصين الطموحة لتحويل نفسها إلى قوة صناعية عالمية مهيمنة. لا تقتصر هذه الخطة على مجرد تحديث القدرات الصناعية، بل تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي من خلال الابتكار المحلي والاعتماد على الذات.

الأهداف الاستراتيجية والقطاعات ذات الأولوية

تم إطلاق خطة “صنع في الصين 2025” في عام 2015، وهي المرحلة الأولى من استراتيجية طويلة الأجل لتحويل الصين إلى القوة الصناعية المهيمنة في العالم بحلول عام 2049. يهدف جوهرها إلى تحديث القدرة الصناعية في الصين، مع التركيز على التصنيع الذكي وتأمين مكانة الصين كقوة عالمية في الصناعات عالية التقنية.   

تشمل القطاعات ذات الأولوية تكنولوجيا المعلومات المتقدمة (بما في ذلك 5G، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني)، وأدوات الآلات الآلية والروبوتات، والفضاء الجوي، ومركبات الطاقة الجديدة (NEVs)، والمواد الجديدة (مثل الجرافيت)، والأجهزة الطبية. تهدف الخطة إلى تقليل الاعتماد على واردات التكنولوجيا الأجنبية، واستبدالها بابتكارات محلية، وزيادة المحتوى المحلي للمكونات والمواد الأساسية إلى 70% بحلول عام 2025. هذا الهدف الطموح لا يتعلق فقط بالاكتفاء الذاتي، بل يهدف إلى بناء سلسلة قيمة صناعية كاملة داخل الصين، مما يقلل من نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية.   

آليات الدعم الحكومي: التمويل، والحوافز، والتوجيهات السياساتية

تستخدم بكين مجموعة واسعة من الأدوات السياسية، بما في ذلك صناديق الاستثمار التي تقودها الدولة (مثل 3 مليارات دولار لصندوق التصنيع المتقدم، و21 مليار دولار لصندوق الدوائر المتكاملة الوطني)، والتمويل التفضيلي، والإعفاءات الضريبية (مثل معدل ضريبة الشركات بنسبة 15% للصناعات المشجعة، وخصم البحث والتطوير الفائق بنسبة تصل إلى 200%)، والأراضي المدعومة، والاستثمار في البنية التحتية العامة. غالبًا ما يرتبط التمويل باستخدام الملكية الفكرية المحلية.   

تُعد خطة “صنع في الصين 2025” برنامجًا منهجيًا مصممًا لـ “تشكيل الحوافز وآليات القيود” لتوجيه رأس المال الاجتماعي نحو الشركات المفضلة وتعزيز التعاون عبر سلسلة التوريد. هذا النهج ليس مجرد دعم للصناعات، بل هو توجيه كامل للنظام البيئي. إن جانب “الاندماج العسكري-المدني” يسلط الضوء بشكل أكبر على البعد الاستراتيجي والأمني الوطني، حيث تهدف التطورات التجارية إلى التحول إلى قوة هجومية. تقوم الدولة بنشاط بخلق ظروف السوق، بدلاً من مجرد الاستجابة لها. هذا النهج يخلق تحديات تنافسية كبيرة للدول الأخرى، حيث تستفيد الشركات الصينية من الدعم الحكومي الذي يسمح لها بتقويض الأسعار العالمية وتوسيع نطاقها بسرعة، مما قد يؤدي إلى تشوهات في السوق واتهامات بالمنافسة غير العادلة.   

ضرورة الذكاء الاصطناعي: السياسة والتقدم

تُعد الصين في طليعة السباق العالمي للذكاء الاصطناعي، حيث تسعى جاهدة لتحقيق القيادة في هذا المجال التحويلي. وقد تطورت سياستها في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، متأثرة بالديناميكيات الداخلية والضغوط الجيوسياسية.

تطور سياسة الذكاء الاصطناعي: عصور “الانطلاق”، و”القمع”، و”اللحاق بالركب”، و”مفترق الطرق”

تطورت سياسة الذكاء الاصطناعي في الصين عبر مراحل متميزة :   

  • عصر الانطلاق (2017 – أوائل 2020): تميز بأهداف طموحة (لتصبح رائدة عالمية في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030)، واستثمارات كبيرة، وتنظيمات قليلة، مدفوعًا بالنمو الاقتصادي وسد الفجوة التكنولوجية. ارتفعت استثمارات الأسهم في الذكاء الاصطناعي إلى 48% من الإجمالي العالمي في عام 2017.   

  • عصر القمع (2020 – أواخر 2022): تحول نحو حملات قمع صارمة وإجراءات تركز على السيطرة والأيديولوجية، مما أعاد تأكيد سلطة الحزب الشيوعي الصيني على قطاع التكنولوجيا (مثل علي بابا، وديدي) من خلال مكافحة الاحتكار، واللوائح الأكثر صرامة، والغرامات، واستحواذ الدولة على مقاعد مجالس الإدارة. تزامن هذا مع سياسة صفر كوفيد وحملات الرخاء المشترك.   

  • عصر اللحاق بالركب (أواخر 2022 – أوائل 2025): بدأ هذا العصر بظهور ChatGPT الذي كشف عن تأخر الصين وتكثيف قيود التصدير الأمريكية على أشباه الموصلات. تحول النهج إلى نهج أكثر دعمًا للتنمية واستجابة للصناعة، مع تخفيف القيود التنظيمية وزيادة نفوذ اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح (التخطيط الاقتصادي) على إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية (التحكم في المحتوى).   

  • عصر مفترق الطرق (أوائل 2025 – الوقت الحاضر): أشارت إصدار DeepSeek-R1 الرائد في أوائل عام 2025 إلى أن الصين قد سدت إلى حد كبير فجوة الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما أعاد الثقة داخل القيادة الصينية، ولكن الضعف الاقتصادي لا يزال قائمًا. التركيز على “مبادرة الذكاء الاصطناعي+” لانتشار اقتصادي محلي، ولكن أيضًا تكثيف الرقابة وإجراءات التحكم.   

إن سياسة الذكاء الاصطناعي في الصين تتسم بالقدرة العالية على التكيف والاستجابة، وتتأرجح بين التنمية القوية والسيطرة الصارمة بناءً على نقاط القوة التكنولوجية المتصورة ونقاط الضعف الاقتصادية. يكشف هذا النمط الدوري عن أولوية الحزب الشيوعي الصيني القصوى: الحفاظ على السيطرة والأمن القومي، حتى لو أدى ذلك إلى تباطؤ الابتكار مؤقتًا. هذا التطور الدوري للسياسة يبرهن على نهج الحزب الشيوعي الصيني العملي ولكنه استبدادي. فهو مستعد لتخفيف القيود عندما يرى تأخرًا تكنولوجيًا أو ضرورة اقتصادية، ولكنه سيعيد فرض السيطرة عندما يشعر بالقوة أو عندما يهدد التطور التكنولوجي أهدافه الأيديولوجية أو استقراره الاجتماعي. هذا يخلق بيئة تشغيل غير متوقعة لشركات التكنولوجيا، وتوازن بين الابتكار السريع والتهديد المستمر للتدخل الحكومي. كما يسلط الضوء على التوتر بين الابتكار المدفوع بالسوق والسيطرة التي تقودها الدولة في قطاع استراتيجي.

الاستثمار الذي تقوده الدولة وتنمية المواهب في الذكاء الاصطناعي

تهدف بكين إلى أن يصبح الذكاء الاصطناعي صناعة بقيمة 100 مليار دولار بحلول عام 2030، مما يولد أكثر من تريليون دولار من القيمة الإضافية. تشمل أدوات السياسة صناديق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التي تقودها الدولة (على سبيل المثال، 8.2 مليار دولار للشركات الناشئة)، وبناء شبكة حوسبة وطنية متكاملة، ومبادرات الحكومات المحلية (مختبرات الذكاء الاصطناعي المدعومة من الدولة، ومناطق تجريبية). تكمل هذه الجهود الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي.   

تمتلك الصين مجموعة كبيرة من المواهب، حيث تنتج أكثر من 2 مليون خريج في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) سنويًا. تُعد مدن مثل بكين وشنغهاي مراكز توظيف، حيث تجذب الباحثين بدعم تسجيل الأسر، وإعانات الإسكان، ومنح البحث والتطوير. تستحوذ الصين على نسبة كبيرة من أوراق الذكاء الاصطناعي عالية الاستشهاد وربع علماء الذكاء الاصطناعي النخبة.   

إن استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي تقودها الدولة في الصين تستفيد من رأس مالها البشري الهائل وبنيتها التحتية الرقمية سريعة البناء كمزايا تنافسية رئيسية. يهدف الجهد المنسق لتنمية المواهب وتوفير موارد الحوسبة إلى التغلب على الاختناقات التكنولوجية وتسريع تطوير الذكاء الاصطناعي عبر مكدس التكنولوجيا بأكمله. إن قدرة الصين على حشد موارد ضخمة (بشرية ومالية) وتوجيهها استراتيجيًا تمثل ميزة كبيرة في سباق الذكاء الاصطناعي. يسمح هذا النهج المركزي بالتوسع السريع للبنية التحتية وتنمية المواهب، مما يتغلب على أوجه القصور المدفوعة بالسوق التي تُرى في أماكن أخرى. هذا الجهد الوطني المنسق يضع الصين كمنافس هائل في مجال الذكاء الاصطناعي، ليس فقط من خلال الاستثمار الهائل، ولكن من خلال رعاية منهجية للعناصر الأساسية لنظام الذكاء الاصطناعي البيئي، من المواهب إلى قوة الحوسبة.

بناء مكدس تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: الرقائق، والأطر، ونماذج اللغة الكبيرة

تهدف الصين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر “مكدس” تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بأكمله: الرقائق، وأطر التعلم الآلي، والتطبيقات مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). ويتركز الدعم الحكومي الأكبر على أشباه الموصلات كثيفة رأس المال، بينما تُعهد أطر البرمجيات إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، وتستفيد نماذج اللغة الكبيرة/التطبيقات من بيئة تمكينية بدعم حكومي مباشر أقل.   

في نماذج اللغة الكبيرة، تلحق الصين بالولايات المتحدة بسرعة، حيث تُظهر نماذج مثل DeepSeek-R1 (أوائل 2025) قدرات في الطليعة العالمية. تستخدم العديد من نماذج اللغة الكبيرة الصينية بنيات مفتوحة المصدر مثل LLaMA من Meta.   

إن استراتيجية الاكتفاء الذاتي في الذكاء الاصطناعي في الصين ليست أحادية الجانب، بل هي متعددة الطبقات، مع تدخل حكومي متفاوت بناءً على كثافة رأس المال والضعف الاستراتيجي لكل مكون من مكونات مكدس الذكاء الاصطناعي. يسعى هذا النهج العملي إلى الاستفادة من المجتمعات العالمية مفتوحة المصدر مع بناء قدرات محلية في المجالات الحيوية المعرضة للعقوبات مثل الرقائق. إن هذا النهج “متعدد الطبقات” هو استراتيجية متطورة لتعظيم التقدم في ظل قيود الموارد والضغوط الخارجية. من خلال تركيز الموارد الحكومية على المكونات الأكثر أهمية وصعوبة في الاستقلال (الرقائق)، يمكن للصين الاستفادة من التطورات العالمية مفتوحة المصدر في الطبقات الأعلى، وبالتالي تسريع التقدم العام مع بناء مرونة استراتيجية. هذا يشير إلى فهم دقيق للترابط التكنولوجي العالمي، حيث تسعى الصين إلى الانفصال بشكل انتقائي في مجالات الضعف مع البقاء متكاملة حيث تستفيد، بدلاً من الانسحاب الكامل من النظم البيئية التكنولوجية العالمية.

سباق أشباه الموصلات: التحديات والتنمية المحلية

تُعد صناعة أشباه الموصلات حجر الزاوية في التقدم التكنولوجي، وتخوض الصين سباقًا محمومًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي، في مواجهة المنافسة العالمية والقيود المفروضة من الخارج.

المنافسة العالمية وتأثير قيود التصدير الأمريكية

احتلت الولايات المتحدة 47% من حصة السوق العالمية لأشباه الموصلات في عام 2020، مهيمنة على التصميم والملكية الفكرية، ولكنها استعانت بمصادر خارجية لتصنيع الكثير منها في تايوان وكوريا الجنوبية. بلغ معدل الاكتفاء الذاتي للصين من أشباه الموصلات 16% فقط في عام 2020، واستوردت 350 مليار دولار من أشباه الموصلات.   

جعلت قيود التصدير الأمريكية على تكنولوجيا تصنيع الرقائق المتقدمة (مثل آلات الطباعة الحجرية EUV، ورقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة) من الصعب على الشركات الصينية الحصول على المعدات اللازمة لإنتاج أحدث الرقائق، مما أثر على قدرات تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين. هذا الاعتماد على الموردين الأجانب، وخاصة تايوان، أثار مخاوف أمنية وطنية كبيرة، مما دفع الصين إلى تسريع جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.   

القدرة المحلية على تصنيع الرقائق وجهود الاكتفاء الذاتي

تضخ بكين مليارات الدولارات في شركات تصنيع الرقائق المحلية مثل هواوي، وSMIC، وهوا هونغ سيميكونداكتور. تهدف الصين إلى أن تصبح أكبر مركز لتصنيع أشباه الموصلات في العالم بحلول عام 2030، حيث ستمتلك 30% من القدرة العالمية المركبة، متجاوزة تايوان. في عام 2024، زاد إنتاج الصين بنسبة 15%، ومن المتوقع أن يصل إلى 10.1 مليون رقاقة شهريًا في عام 2025، مدفوعًا بإنشاء 18 مصنعًا جديدًا.   

حققت SMIC إنتاج رقائق 7 نانومتر بحلول منتصف عام 2022 باستخدام الطباعة الحجرية DUV للتحايل على العقوبات الأمريكية التي قيدت الوصول إلى آلات الطباعة الحجرية EUV. تقود هواوي الجهود في تصميم الرقائق (سلسلة Ascend) وتنسيق تصنيع الرقائق مع SMIC.   

إن استثمار الصين القوي في القدرة المحلية على تصنيع الرقائق وتركيزها على العقد القديمة والتعبئة المتقدمة (مثل التراص ثنائي الأبعاد/ثلاثي الأبعاد) يمثل استراتيجية لبناء المرونة من خلال إنشاء بدائل محلية، حتى لو لم تكن متطورة. يظهر هذا النهج “الالتفافي”، بما في ذلك الجهود المبذولة لتوحيد برامج EDA وHBM، تصميمًا على التخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية. الصين لا تحاول مطابقة الولايات المتحدة مباشرة في كل تكنولوجيا متطورة على الفور. بدلاً من ذلك، تقوم ببناء نظام بيئي موازٍ ومكتفٍ ذاتيًا، حتى لو كان ذلك يعني استخدام تقنيات أقل تقدمًا (DUV لـ 7 نانومتر) أو قبول عوائد أقل في البداية. هذه خطة طويلة الأجل لتقليل التبعيات الحرجة. هذا النهج، على الرغم من تكلفته وربما كفاءته الأقل على المدى القصير، يضمن مستوى أساسيًا من إنتاج الرقائق المحلية للأمن القومي والصناعات الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى تفرع سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية.

نقاط الضعف في سلسلة التوريد واستراتيجيات المرونة

على الرغم من التقدم، يواجه نظام الذكاء الاصطناعي البيئي في الصين نقاط ضعف، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الرقائق المتقدمة (مثل Nvidia H100/A100) والاعتماد على البنية الدقيقة الأجنبية (ARM) وبرامج EDA الغربية. لا تزال رقائق هواوي، على الرغم من تحسنها، تواجه مشكلات مثل التعطل المتكرر وعدم التوافق مع الإصدارات السابقة.   

تشمل استراتيجيات المرونة تخزين الرقائق، واستكشاف التهريب، وإنشاء مراكز بيانات عالمية (مثل مراكز هواوي في ماليزيا/الفلبين) للوصول إلى وحدات معالجة الرسومات المحظورة، والاستفادة من مجتمعات المصادر المفتوحة. كما تُستخدم الطاقة الوفيرة والمدعومة في الصين لتشغيل مراكز بيانات كبيرة للتعويض عن الرقائق الأقل قوة.   

تتميز استراتيجيات المرونة في الصين بالالتفافات التكيفية والاستفادة من نقاط قوتها الفريدة (مثل الطاقة، والمشاركة في المصادر المفتوحة) للتحايل على القيود الخارجية. هذا يسلط الضوء على نهج عملي ومتعدد الأوجه للتغلب على الاختناقات التكنولوجية التي تفرضها التوترات الجيوسياسية. إن الاعتماد على “الحلول البديلة” يشير إلى شدة القيود الأمريكية ولكنه يظهر أيضًا تصميم الصين على إيجاد مسارات بديلة لمواصلة تطوير الذكاء الاصطناعي. هذا يشير إلى أن الانفصال التكنولوجي الكامل صعب ومكلف للطرفين. إن قدرة الصين على التكيف وإيجاد طرق بديلة تعني أنه على الرغم من أن العقوبات قد تبطئ التقدم، إلا أنها قد لا توقفه تمامًا، مما يؤدي إلى مشهد تكنولوجي عالمي أكثر تعقيدًا وتجزؤًا.

الملكية الفكرية والحصول على التكنولوجيا: مزاعم وردود

تُعد قضايا الملكية الفكرية وسرقة التكنولوجيا نقطة خلاف رئيسية في العلاقات التكنولوجية بين الصين والدول الغربية، مما يؤثر على المنافسة العالمية والثقة.

أساليب انتهاك الملكية الفكرية والتكاليف الاقتصادية المقدرة

اتهمت الولايات المتحدة ودول أخرى وشركات الصين بالتجسس الاقتصادي المنظم من قبل الدولة وانتهاك الملكية الفكرية، في انتهاك لاتفاقيات التجارة الدولية. يشمل هذا الأعمال التجارية والأوساط الأكاديمية والحكومة.   

تشمل الأساليب استخلاص التقنيات من الشركات الغربية، واستخدام الإعانات والحواجز غير الجمركية للمنافسة لبناء شركات وطنية رائدة. تشمل الأمثلة المحددة مزاعم في أعمال السكك الحديدية (تقنية يابانية/أوروبية تستخدمها الشركات الصينية)، وطاقة الرياح (تقنية Gamesa تستخدمها الشركات المحلية الصينية)، والتجسس السيبراني/القرصنة (على سبيل المثال، اختراق خادم Microsoft Exchange في عام 2021، واستهداف صناعات “صنع في الصين 2025”).   

قدرت تقديرات الكونغرس الأمريكي التكلفة السنوية لسرقة الملكية الفكرية الصينية بـ 225-600 مليار دولار. ووجد استطلاع أجرته CNBC أن 1 من كل 5 شركات أبلغت عن سرقة الصين للملكية الفكرية في العام السابق.   

إن مزاعم سرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري ليست حوادث معزولة، بل تمثل استراتيجية منهجية مدعومة من الدولة لتسريع لحاق الصين بالركب التكنولوجي وتحقيق الهيمنة الصناعية. هذا يسمح للشركات الصينية “بتجاوز” مراحل البحث والتطوير المكلفة، مما يوفر ميزة تنافسية غير عادلة ويعمل كأداة للضغط الجيوسياسي. هذا ليس مجرد تجسس للشركات، بل هو استراتيجية اقتصادية منظمة من قبل الدولة. إنه خيار سياسي متعمد لتسريع التنمية الصناعية وتحقيق أهداف مبادرات مثل “صنع في الصين 2025”. كما أن “الاندماج العسكري-المدني” يشير بشكل أكبر إلى نية الاستخدام المزدوج للتقنيات المكتسبة. هذه الممارسة تغذي التوترات التجارية الدولية ونقص الثقة، مما يؤدي إلى تدابير مضادة مثل ضوابط التصدير والدفع نحو فك الارتباط بسلسلة التوريد من قبل الدول الغربية. إنها تغير بشكل أساسي مشهد المنافسة التكنولوجية العالمية.   

استجابات الصين القانونية والسياساتية لمخاوف الملكية الفكرية

زادت الصين من الملاحقات الجنائية لقضايا الملكية الفكرية (2005-2015) وشهدت الشركات الأجنبية نجاحًا متزايدًا في دعاوى انتهاك براءات الاختراع (معدل فوز 70-80% في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين). في عام 2019، اعتمدت الصين قانونًا جديدًا للاستثمار الأجنبي يحظر عمليات نقل التكنولوجيا القسرية.   

ومع ذلك، لا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) يبلغ عن أكثر من 1000 قضية مفتوحة لانتهاك الملكية الفكرية تتعلق بالصين، ويفتح تحقيقًا جديدًا كل 12 ساعة، مع ربط 80% من قضايا التجسس الاقتصادي بالصين.   

تبدو استجابة الصين السياساتية لمخاوف الملكية الفكرية ذات شقين: سن القوانين وزيادة الملاحقات القضائية لإظهار الامتثال، بينما تستمر في الوقت نفسه الأنشطة المرتبطة بالدولة في الحصول على الملكية الفكرية. يشير هذا إلى وجود فجوة بين السياسة المعلنة والتنفيذ الفعلي، أو تمييز استراتيجي بين الوسائل “القانونية” و”غير القانونية” للحصول على التكنولوجيا من الخارج. هذا التناقض الظاهر يشير إلى غموض استراتيجي أو آلية تنفيذ انتقائية. قد يكون ذلك بسبب محاولة الصين تحسين صورتها وحماية الملكية الفكرية المحلية (لتعزيز ابتكارها الخاص)، مع الاستمرار في السماح أو دعم ضمنيًا لوسائل “غير تقليدية” لنقل التكنولوجيا لتحقيق أهداف وطنية استراتيجية. هذا يخلق بيئة معقدة وصعبة للشركات الأجنبية العاملة في الصين، مما يتطلب التنقل بعناية في الأطر القانونية، ومخاطر الأمن السيبراني، وإمكانية المنافسة المدعومة من الدولة. كما يسلط الضوء على الصراع المستمر من أجل الثقة واللعب النظيف في التبادل التكنولوجي الدولي.

عمالقة التكنولوجيا الصينيون الرائدون: تشكيل الاقتصاد الرقمي

تُعد الصين قوة رائدة في الاقتصاد الرقمي، مدفوعة بعمالقة التكنولوجيا المحليين الذين يشكلون المشهد الرقمي في البلاد ويوسعون نفوذهم عالميًا.

التأثير على التجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية، وتطوير المدن الذكية

تُعد الصين ثاني أكبر اقتصاد رقمي في العالم، حيث بلغت قيمته 7.1 تريليون دولار أمريكي في عام 2021، وشكلت 39.8% من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد أنشأت شركات مثل بايدو، وعلي بابا، وتينسنت (BAT)، بالإضافة إلى JD.com، وشياومي، وبايت دانس، نظامًا بيئيًا رقميًا متعدد الأوجه.   

تمتلك الصين أكبر سوق للتجارة الإلكترونية في العالم (1.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2021) وسوق الدفع عبر الهاتف المحمول (2,976 تريليون يوان صيني في عام 2021).   

تتصدر الصين تطوير المدن الذكية، حيث يوجد حوالي 500 مدينة تجريبية قيد التخطيط أو التطوير بحلول عام 2018، متجاوزة بذلك الدول الأخرى بكثير. هذه المبادرات تقودها الحكومة في الغالب، وتدمج الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء في البنية التحتية الحضرية.   

إن النمو السريع والتكامل الشامل للاقتصاد الرقمي في الصين، بقيادة عمالقة التكنولوجيا وبدعم قوي من الحكومة، يمثل مشروع تحول رقمي على المستوى الوطني. يتجاوز هذا المشروع مجرد النمو الاقتصادي ليشمل السيطرة الاجتماعية (المراقبة في المدن الذكية) وتطوير البنية التحتية (طريق الحرير الرقمي)، مما يخلق نموذجًا فريدًا للحوكمة الرقمية. الاقتصاد الرقمي في الصين ليس مجرد ظاهرة تجارية، بل هو مشروع وطني استراتيجي. إن التكامل الوثيق بين عمالقة التكنولوجيا والمبادرات الحكومية (مثل المدن الذكية، وحوكمة البيانات) يسمح بالنشر السريع للتقنيات الجديدة على نطاق واسع، ولكنه يثير أيضًا مخاوف بشأن أمن البيانات والخصوصية الشخصية. هذا النموذج من التنمية الرقمية المدعومة من الدولة يخلق نظامًا بيئيًا محليًا قويًا، لكن تصديره (على سبيل المثال، تكنولوجيا المدن الذكية إلى دول مبادرة الحزام والطريق) يحمل أيضًا آثارًا جيوسياسية تتعلق بالمراقبة والتحكم في البيانات.   

التوسع العالمي وديناميكيات السوق لشركات BATX

تُعد علي بابا عملاقًا عالميًا في التجارة الإلكترونية ولديها استثمارات في الولايات المتحدة والهند وإسرائيل وتايوان والإمارات العربية المتحدة وسويسرا، وتصنف خدمتها السحابية في المرتبة الأولى في الصين وتنمو بسرعة في جنوب شرق آسيا والهند. تينسنت هي تكتل إعلامي ضخم، عالمي في وسائل التواصل الاجتماعي (وي تشات) والألعاب. هواوي هي مزود رئيسي لمعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والهواتف الذكية، وتطور أيضًا رقائق الذكاء الاصطناعي. بايت دانس (تيك توك) هي منصة عالمية لوسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى.   

هذه الشركات هي وكلاء في المنافسة السيبرانية بين الولايات المتحدة والصين، وتتنافس على حصة السوق والمواهب والابتكار التكنولوجي عالميًا.   

إن التوسع العالمي لعمالقة التكنولوجيا الصينيين ليس تجاريًا بحتًا؛ بل هو متشابك بعمق مع طموحات الصين الجيوسياسية ومنافستها مع الولايات المتحدة على المعايير التكنولوجية والنفوذ. إن نجاحهم في الأسواق الناشئة، المدعوم غالبًا بمبادرات الدولة مثل طريق الحرير الرقمي، يوسع البصمة الرقمية للصين وقوتها الناعمة. هذا يحول المنافسة بين الشركات إلى صراع جيوسياسي حول البنية التحتية التكنولوجية العالمية وتدفقات البيانات، مما يثير مخاوف بشأن الأمن القومي والسيادة الرقمية للدول الأخرى.

خاتمة: الموازنة بين الابتكار والواقع الجيوسياسي

يُعد الصعود التكنولوجي في الصين شهادة على سياساتها الصناعية الطموحة واستثماراتها الضخمة التي تقودها الدولة، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. تُظهر خطة “صنع في الصين 2025” وسياسة الذكاء الاصطناعي المتطورة دافعًا حازمًا نحو الابتكار المحلي والاعتماد على الذات، حتى مع اجتيازها لتعقيدات سلاسل التوريد العالمية وقيود التصدير الأمريكية. وتُبرز المزاعم المنتشرة بشأن سرقة الملكية الفكرية الطبيعة المثيرة للجدل لهذا اللحاق التكنولوجي السريع.

يُعزز التوسع العالمي لعمالقة التكنولوجيا الصينيين البصمة الرقمية للصين ونفوذها الجيوسياسي. في نهاية المطاف، يُعد المسار التكنولوجي للصين توازنًا دقيقًا بين تعزيز الابتكار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، واجتياز المنافسة الجيوسياسية الشديدة، مع تداعيات عميقة على المشهد التكنولوجي العالمي والعلاقات الدولية.

الجداول الأساسية للمقال 2:

الجدول 1: القطاعات والأهداف الرئيسية لخطة “صنع في الصين 2025”

القطاعالأهداف/الغايات المحددةالشركات/التقنيات الرئيسية
تكنولوجيا المعلومات المتقدمةزيادة المحتوى المحلي للمكونات الأساسية إلى 70% بحلول 2025؛ القيادة في 5G والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

هواوي، ZTE، بايدو، علي بابا، تينسنت.   

أدوات الآلات الآلية والروبوتاتتعزيز التصنيع الذكي ودمج إنترنت الأشياء.

غير محددة بشكل مباشر في المصادر، لكنها قطاع ذو أولوية.   

معدات الفضاء الجوي والملاحة الجويةتطوير قدرات محلية في تصميم وتصنيع المعدات.

غير محددة بشكل مباشر في المصادر، لكنها قطاع ذو أولوية.   

مركبات الطاقة الجديدة (NEVs)زيادة حصة NEVs في الإنتاج والتصدير؛ تحقيق الاكتفاء الذاتي في المكونات.

BYD (تجاوزت تسلا في المبيعات).   

المواد الجديدةالهيمنة على إنتاج المواد الخام الاستراتيجية مثل الجرافيت.

الصين تنتج 80% من الجرافيت العالمي بحلول 2025.   

الأجهزة الطبية عالية الأداءتعزيز الابتكار المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.

غير محددة بشكل مباشر في المصادر، لكنها قطاع ذو أولوية.   

الجدول 2: عصور سياسة الذكاء الاصطناعي في الصين: الخصائص والنتائج

اسم العصرالتواريخالخصائص الرئيسيةالسياسات/الأحداث البارزةالوكالات الرئيسيةالنتائج/التأثير
عصر الانطلاق2017 – أوائل 2020

أهداف طموحة، استثمار كبير، تنظيمات قليلة؛ نمو الناتج المحلي الإجمالي 6.5%.   

خطة تطوير الذكاء الاصطناعي الوطنية (NAIDP).   

وزارة العلوم والتكنولوجيا (MOST).   

زيادة استثمار الأسهم في الذكاء الاصطناعي إلى 48% عالميًا في 2017 ؛ انتشار واسع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي (مثل رؤية الكمبيوتر للمراقبة).   

عصر القمع2020 – أواخر 2022

حملات قمع صارمة، تركيز على السيطرة والأيديولوجية؛ نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.3% ثم 8.4%.   

لائحة خدمات معلومات خوارزميات التوصية؛ لائحة خدمات معلومات الإنترنت للتوليف العميق.   

إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية (CAC).   

إعادة تأكيد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على قطاع التكنولوجيا؛ غرامات ولوائح صارمة على شركات التكنولوجيا الكبرى (علي بابا، ديدي).   

عصر اللحاق بالركبأواخر 2022 – أوائل 2025

تحول نحو نهج أكثر دعمًا للتنمية؛ تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي (3.1% في 2022)؛ ارتفاع بطالة الشباب.   

التدابير المؤقتة لإدارة خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي.   

إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية (CAC)، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح (NDRC).   

تخفيف القيود التنظيمية؛ استعادة زخم نظام الذكاء الاصطناعي البيئي؛ ظهور نماذج لغة كبيرة متطورة (مثل DeepSeek).   

عصر مفترق الطرقأوائل 2025 – الوقت الحاضر

ثقة تكنولوجية عالية مع ضعف اقتصادي مستمر؛ انخفاض استثمارات رأس المال المخاطر في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة.   

تدابير وضع العلامات على المحتوى الاصطناعي المولّد بالذكاء الاصطناعي.   

لم تحدد بعد.   

إغلاق فجوة الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ تركيز على “مبادرة الذكاء الاصطناعي+” لدمج الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الحقيقي؛ تكثيف الرقابة.   

الجدول 3: القدرة العالمية على تصنيع أشباه الموصلات حسب المنطقة (الحالية والمتوقعة)

المنطقةالحصة الحالية (2021/2024)الحصة المتوقعة (2030)ملاحظات رئيسية/الاتجاهات
الصين

21% (2024)    

30%    

استثمارات ضخمة في التصنيع المحلي (18 مصنعًا جديدًا)؛ تهدف إلى الاكتفاء الذاتي.   

تايوان

23% (2024)    

غير محددة، ولكن من المتوقع أن تتجاوزها الصين.   

أكبر منتج حاليًا؛ TSMC تخطط لبناء 30% من رقائقها المتقدمة في أريزونا.   

كوريا الجنوبية

19% (2024)    

غير محددة.   

لاعب رئيسي في التصنيع العالمي.   

اليابان

13% (2024)    

غير محددة.   

إنتاجها يلبي إلى حد كبير الطلب الداخلي.   

الولايات المتحدة

10% (2024)    

زيادة متوقعة (هدف 20% بحلول 2024 عبر قانون CHIPS).   

أكبر مستهلك للرقائق (57%)؛ تعتمد على الاستيراد؛ استثمارات ضخمة في التصنيع المحلي (TSMC، إنتل).   

أوروبا

8% (2024)    

غير محددة.   

إنتاجها يلبي إلى حد كبير الطلب الداخلي.