أولاً. مقدمة: من الفقر إلى القوة العالمية
منذ أن بدأت الصين في فتح اقتصادها وإصلاحه في عام 1978، شهدت البلاد نموًا سنويًا للناتج المحلي الإجمالي تجاوز 9% لعقود، مما أدى إلى انتشال أكثر من 800 مليون شخص من براثن الفقر وتحقيق تحسينات كبيرة في الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم وغيرها. هذا التحول الملحوظ دفع الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والأول من حيث تعادل القوة الشرائية في عام 2025.
تُظهر اللمحة الاقتصادية الحالية للصين في عام 2025 ناتجًا محليًا إجماليًا اسميًا متوقعًا يبلغ 19.23 تريليون دولار أمريكي، مع معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 4.0%. يتميز الاقتصاد بقطاع خاص كبير يسهم بحوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي و80% من العمالة الحضرية، إلى جانب الشركات المملوكة للدولة والمختلطة الملكية. يهيمن قطاع الخدمات الآن على الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 56.8%، يليه قطاع الصناعة بنسبة 36.5%، والزراعة بنسبة 6.8%.
إن قدرة الصين على انتشال أكثر من 800 مليون شخص من الفقر خلال هذه الفترة لا تمثل فقط إنجازًا اجتماعيًا هائلاً، بل تشكل أيضًا محركًا اقتصاديًا أساسيًا. عندما يتحرر هذا العدد الهائل من الأفراد من قيود الفقر، فإنهم يتحولون إلى مستهلكين نشطين، مما يؤدي إلى توسع كبير في السوق المحلية. هذا التوسع في الطلب يدفع بدوره عجلة النشاط الاقتصادي ويحفز المزيد من النمو. علاوة على ذلك، فإن تحسين الوصول إلى الصحة والتعليم لهذه الشريحة الكبيرة من السكان يحولهم إلى قوة عاملة أكثر إنتاجية وكفاءة. هذا التحول في رأس المال البشري يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد ويدعم الابتكار. كما أن الحد من الفقر يسهم بشكل كبير في الاستقرار الاجتماعي، وهو شرط أساسي لأي تنمية اقتصادية مستدامة، حيث يسمح للحكومة بالتركيز على التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل بدلاً من إدارة الأزمات، مما يوفر بيئة مواتية لنجاح الإصلاحات اللاحقة.
الجدول 1: المؤشرات الاقتصادية الرئيسية للصين (توقعات 2024-2025)
المؤشر | القيمة (2024/2025) | المصدر |
عدد السكان (2024) | 1,408,050,000 | |
الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (2025) | 19.23 تريليون دولار أمريكي | |
الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) (2025) | 40.72 تريليون دولار أمريكي | |
ترتيب الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (2025) | الثاني | |
ترتيب الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) (2025) | الأول | |
نمو الناتج المحلي الإجمالي (2024) | 5.0% | |
نمو الناتج المحلي الإجمالي (2025) | 4.0% | |
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (2025) | 13,688 دولار أمريكي | |
التضخم (مؤشر أسعار المستهلك) (2024) | 1.0% | |
الناتج المحلي الإجمالي حسب القطاع (2024) | ||
– الزراعة | 6.8% | |
– الصناعة | 36.5% | |
– الخدمات | 56.8% | |
البطالة (ديسمبر 2023) | 5.2% | |
بطالة الشباب (فبراير 2025، 16-24 عامًا) | 16.9% | |
الدين الحكومي (% من الناتج المحلي الإجمالي) (2023) | 82.9% | |
الاحتياطيات الأجنبية (2023) | 3.3 تريليون دولار أمريكي |
ثانياً. أسس الازدهار: الإصلاح والانفتاح
شكلت سياسة “الإصلاح والانفتاح” المحورية التي أطلقها دينغ شياو بينغ في عام 1978 نقطة تحول حاسمة، حيث انتقلت الصين من اقتصاد اشتراكي مخطط تهيمن عليه الدولة إلى اقتصاد مختلط. تضمنت هذه العملية سلسلة معقدة من الإصلاحات عبر الأنظمة المالية، والضريبية، والمؤسسية، والحوكمة، والقانونية.
تبنت الصين نهج “المسارين المزدوجين” – “القبض على الثقيل وإطلاق الخفيف”. ظلت القطاعات الاستراتيجية الأساسية، مثل الصلب والطاقة والبتروكيماويات والنقل، تحت سيطرة الاقتصاد المخطط في البداية، مع التكيف التدريجي مع آليات السوق. في المقابل، سُمح بتحرير الصناعات الخفيفة، خاصة تلك التي لديها أسواق تصدير واعدة، وتوسعت هذه العملية تدريجياً مع تكيف بقية الاقتصاد ودمج آليات السوق بطريقة متدرجة.
كانت الإصلاحات الزراعية، وأبرزها نظام مسؤولية الأسرة، من الأولويات. سمح هذا النظام للمزارعين ببيع أي محاصيل يزرعونها زيادة عن الكمية الملزمة للدولة، مما أدى إلى زيادة هائلة في الإنتاج الزراعي بنسبة 8.2% سنويًا بعد الإصلاح، مقارنة بـ 2.7% قبل الإصلاح. وقد أدى ذلك إلى زيادة إنتاج الغذاء، وانخفاض الأسعار، وارتفاع دخل المزارعين، وتحرير العمالة لقطاعي الصناعة والخدمات. تحولت الصين من بلد يعاني من نقص الغذاء إلى مصدر له.
أصبحت الصين جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر من خلال حوافز مثل الإعفاءات الضريبية وبيئة تنظيمية مواتية. لم يجلب الاستثمار الأجنبي المباشر رأس المال فحسب، بل جلب أيضًا التكنولوجيا المتقدمة والخبرة الإدارية، مما مكن الصين من استيعاب وتكييف التقنيات الأجنبية بشكل منهجي، وسد الفجوة التكنولوجية بسرعة.
كما ساهمت الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، التي بدأت في السبعينيات من اليابان من خلال صفقات “البنية التحتية مقابل الموارد” ، في دفع النمو. أدى ذلك إلى إنشاء أكبر شبكات الطرق السريعة والسكك الحديدية عالية السرعة في العالم، مما قلل بشكل كبير من التكاليف اللوجستية وسهل التجارة الداخلية والدولية. كما دعم توسع البنية التحتية للاتصالات، بما في ذلك أكثر من 4.25 مليون محطة قاعدية لشبكة الجيل الخامس (5G)، الاقتصاد الرقمي المزدهر.
إن اختيار الصين لنهج متدرج للإصلاح بدلاً من “العلاج بالصدمة” يبرز استراتيجية حكيمة سمحت للاقتصاد والمجتمع بالتكيف ببطء، مما قلل من الاضطرابات وحافظ على الاستقرار السياسي. هذا النهج التدريجي أتاح للصين فرصة التجربة والتعلم من النجاحات والإخفاقات، ودمج آليات السوق بشكل تدريجي. الأهم من ذلك، أن الصين لم تكتفِ باستقبال الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل سلبي، بل عملت بنشاط على “استيعاب وتكييف التقنيات الأجنبية”. هذا يشير إلى استراتيجية وطنية متعمدة للاستفادة من رأس المال والخبرة الأجنبية ليس فقط لتحقيق النمو الفوري، بل لتحقيق اللحاق التكنولوجي طويل الأجل والتعزيز الذاتي. كانت هذه “القدرة الاستيعابية” عاملاً رئيسيًا في معجزتها الاقتصادية.
ثالثاً. إعادة التوجيه الاستراتيجي: نموذج الدورة المزدوجة
تهدف استراتيجية الدورة المزدوجة في الصين إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية المحلية والدولية من خلال تعزيز كل من الأسواق الداخلية والخارجية، مع جعل السوق الداخلية هي الجوهر والأساس. تسعى هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الاستهلاك المحلي والاستثمار لتقليل الاعتماد على الصادرات والاستثمار في الأصول الثابتة. وفي الوقت نفسه، يركز مكون الدورة الخارجية على تنويع الشركاء التجاريين ومصادر الإمداد لتعزيز المرونة في مواجهة الضغوط الخارجية.
تتأثر هذه الاستراتيجية بالظروف الاقتصادية المحلية، وسياسات التجارة الدولية، والعلاقات السياسية بين الدول. إنها استجابة مباشرة لبيئة دولية مليئة بالتحديات، لا سيما الجهود الأمريكية لتقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا المتقدمة. وعلى الرغم من توصية المؤسسات المالية الدولية بها، فقد تعقد التقدم بسبب عوامل مثل جائحة كوفيد-19.
لقد انخفضت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، مما يشير إلى تحول نحو التركيز الداخلي، وقد قامت الصين بتنويع شركائها التجاريين. ومع ذلك، شهد الاستهلاك الخاص والخدمات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي انتكاسات، ولا تزال نسب الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة، مما يشير إلى تحديات مستمرة في إعادة التوازن.
إن استراتيجية الدورة المزدوجة لا تمثل مجرد إعادة توازن اقتصادي، بل هي مناورة جيوسياسية استراتيجية. التحول نحو الداخل هو إجراء دفاعي يهدف إلى بناء المرونة ضد الصدمات الخارجية، مثل الحروب التجارية وفصل التكنولوجيا. من خلال تعزيز الطلب المحلي وسلاسل التوريد، تسعى الصين إلى عزل نفسها عن النفوذ الأجنبي. في الوقت نفسه، من خلال تحسين “جودة” التجارة الخارجية وتنويع الشركاء، تعمل الصين بشكل استباقي على إعادة تشكيل مشاركتها الاقتصادية العالمية. هذا يشير إلى رؤية طويلة الأجل لتقليل نقاط الضعف وإنشاء محاور جديدة للنفوذ الاقتصادي، حتى لو كان ذلك يعني التضحية ببعض سرعة النمو من أجل “نمو عالي الجودة”. هذا الاعتراف بأن النموذج السابق القائم على التصدير والاستثمار أصبح غير مستدام.
رابعاً. مواجهة الرياح المعاكسة الاقتصادية: التحديات الرئيسية
أ. التحولات الديموغرافية
تتحول التركيبة السكانية في الصين من ميزة اقتصادية إلى عبء. فقد بلغ عدد السكان في سن العمل ذروته في عام 2013 ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 22% بين عامي 2022 و2050. ومن المتوقع أن تتضاعف نسبة الإعالة لكبار السن بحلول عام 2050.
من المتوقع أن يؤدي شيخوخة السكان إلى انخفاض المشاركة الإجمالية في القوى العاملة وتقويض الإنتاجية. يقدر صندوق النقد الدولي أن هذا يمكن أن يقلل من نمو إنتاجية العوامل الكلية بنسبة 0.3% سنويًا من 2020 إلى 2050، مما قد يخصم نصف نقطة مئوية سنويًا من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما أن هذا يقلل من الطلب على الاستثمار في الإسكان والبنية التحتية.
إن التحول الديموغرافي في الصين، مع انكماش القوى العاملة وارتفاع نسبة الإعالة لكبار السن، يعني أن نموذج النمو التقليدي القائم على كثافة اليد العاملة والاستثمار لم يعد مستدامًا. هذا الواقع الديموغرافي يفرض تحولًا جوهريًا في الاستراتيجية الاقتصادية للصين نحو النمو القائم على الابتكار والاستهلاك. تصبح استراتيجية الدورة المزدوجة، بتركيزها على الطلب المحلي والصناعات عالية التقنية، ليست مجرد خيار استراتيجي بل ضرورة اقتصادية لمواجهة هذه الرياح الديموغرافية المعاكسة. هذا التحدي الديموغرافي الداخلي، جنبًا إلى جنب مع التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على نقل التكنولوجيا ، يعني أن نمو الصين المستقبلي سيكون أبطأ (متوقع بمتوسط 3.2% بين 2023-2050، ) وأكثر اعتمادًا على الابتكار المحلي والطلب الداخلي، مما سيعيد تشكيل بصمتها الاقتصادية العالمية.
ب. أزمة ديون الحكومات المحلية
تواجه الحكومات المحلية تريليونات الدولارات من الديون، بما في ذلك “الديون الخفية” من شركات تمويل الحكومات المحلية (LGFVs). يقدر صندوق النقد الدولي أن ديون شركات تمويل الحكومات المحلية البالغة 58 تريليون يوان تشكل “خطرًا جادًا على الاستقرار المالي”.
عادة ما تستخدم شركات تمويل الحكومات المحلية الأراضي كضمان، مع إيرادات مبيعات الأراضي لخدمة الديون. أدى انهيار فقاعة العقارات في الصين عام 2021 إلى جفاف هذا المصدر الحيوي للإيرادات، مما فاقم الأزمة.
تتضمن استجابة بكين استراتيجية “المد والتظاهر”، والتي تنطوي على إعادة تمويل بعض الديون الخفية ولكنها تتجنب تحمل العبء الكامل بشكل مباشر، خوفًا من المخاطر الأخلاقية. هذا النهج يؤجل المشكلة بدلاً من حلها، مما يؤدي إلى نقص الأموال المخصصة للبنية التحتية والخدمات الاجتماعية وخلق فرص العمل على المستوى المحلي.
إن أزمة ديون الحكومات المحلية، التي تفاقمت بسبب انهيار سوق العقارات، هي نتيجة مباشرة لاعتماد الصين التاريخي على النمو القائم على الاستثمار وحوافز الحكومات المحلية المرتبطة بتطوير الأراضي. إن استراتيجية “المد والتظاهر” التي تتبعها الحكومة المركزية، على الرغم من أنها تمنع الانهيار الفوري، تعني أن الموارد تُحبس في خدمة ديون غير منتجة بدلاً من تخصيصها لاستثمارات جديدة ومثمرة أو لخدمات اجتماعية. هذا يمكن أن يؤدي إلى “قطاعات مالية مجوفة” ويعيق النمو المستقبلي. كما أن غموض ديون شركات تمويل الحكومات المحلية وتردد الحكومة المركزية في الاعتراف بها وحلها بالكامل يسلط الضوء على تحدٍ كبير في الحوكمة داخل النظام الاقتصادي الصيني. يشير هذا إلى توتر بين الحفاظ على الاستقرار وتنفيذ إصلاحات ضرورية، ولكنها قد تكون مؤلمة، مع تداعيات طويلة الأجل على الشفافية المالية والانضباط السوقي.
ج. التكاليف البيئية
أدت التصنيع والتوسع الحضري السريع إلى مشاكل بيئية خطيرة، بما في ذلك إزالة الغابات بشكل كبير، وتلوث المياه على نطاق واسع (23.3% من المياه السطحية غير صالحة للاستهلاك في عام 2020)، وتلوث الهواء الشديد (المسؤول عن 1.6 مليون وفاة في عام 2017).
تكلف تلوث الهواء وحده الصين ما يقدر بنحو 2.4% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا، في حين أن التلوث البيئي الإجمالي يكلف حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي. تؤدي هذه المشاكل أيضًا إلى مشاكل صحية عامة، وهجرة جماعية، واضطرابات اجتماعية.
إن التدهور البيئي الشديد في الصين، مع تكاليفه الاقتصادية والاجتماعية الباهظة، يعني أن ما كان يُعتبر في السابق تكاليفًا خارجية للتصنيع يؤثر الآن بشكل مباشر على الكفاءة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي للصين. إن التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة للتلوث تستدعي تحولًا جوهريًا في نموذج التنمية الصيني من “النمو بأي ثمن” إلى “النمو عالي الجودة” والتنمية الخضراء. هذا يتماشى مع جانب “الطاقة الخضراء” في مبادرة “صنع في الصين 2.0” والتركيز على الإنتاج المستدام في مبادرة “صنع في الصين 2025”. كما أن المشاكل البيئية في الصين لها تداعيات إقليمية وعالمية (مثل الأمطار الحمضية، وتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، )، مما يجعل سياستها البيئية المحلية مسألة اهتمام وتعاون دولي.
د. التوترات التجارية العالمية
أدت السياسات التجارية الأمريكية، بما في ذلك الرسوم الجمركية، إلى ارتفاع أسعار المستهلكين وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. على الرغم من الدعوات إلى فك الارتباط، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الواردات من الصين للسلع الأساسية مثل الرقائق الدقيقة والمعادن النادرة.
يسلط هذا الاعتماد الضوء على نقطة ضعف استراتيجية لكلا الجانبين، حيث تعتمد الصين أيضًا على التكنولوجيا الأجنبية. تفترض المقالة حدوث توقف منسق في الشحنات إلى الولايات المتحدة من قبل كبار المصدرين، مما يدل على الترابط وإمكانية حدوث تمزق اقتصادي عالمي.
إن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تشمل الرسوم الجمركية ومحاولات فك الارتباط، ليست مجرد خلافات حول الاختلالات الاقتصادية، بل هي جزء من منافسة جيوسياسية أوسع للهيمنة التكنولوجية والاقتصادية. بالنسبة للصين، تعمل هذه التوترات كمحفز قوي، مما يسرع من سعيها الحالي لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي (على سبيل المثال، في أشباه الموصلات، ) وتعزيز الأساس المنطقي لاستراتيجية الدورة المزدوجة. هذا يؤكد الحاجة المتصورة لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية التي تعتبر غير موثوقة. إن “التنمر الاقتصادي” وإمكانية “التمزق الاقتصادي” يقوضان “الثقة والروح الأساسية للنظام الاقتصادي العالمي الحالي”. هذا يشير إلى خطر طويل الأجل يتمثل في فك العولمة أو تشكيل كتل اقتصادية متنافسة، مع تداعيات كبيرة على التجارة العالمية والاستثمار والمعايير التكنولوجية.
خامساً. الخلاصة: الحفاظ على النمو عالي الجودة وسط التعقيد
لقد تحددت رحلة الصين الاقتصادية بقدرتها على التكيف والابتكار، مستفيدة من قوة عاملة ضخمة، وتدخل الدولة الاستراتيجي، وقطاع خاص ديناميكي. ومع ذلك، تواجه الآن تفاعلاً معقدًا من التحديات الهيكلية الداخلية (الديموغرافيا، الديون، البيئة) والضغوط الجيوسياسية الخارجية (التوترات التجارية، فك الارتباط التكنولوجي).
سيتطلب التحول إلى بلد ذي دخل مرتفع بحلول عام 2030 استمرار مستويات عالية من الاستثمار جنبًا إلى جنب مع التقدم التكنولوجي السريع في الاستيعاب والتكيف والابتكار. هذا يستلزم المزيد من الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز تطوير المهارات، وزيادة البحث والتطوير، وصنع السياسات المرنة. من المرجح أن يكون نمو الصين المستقبلي أبطأ ولكنه أكثر تركيزًا على “النمو عالي الجودة” المدفوع بالابتكار والاستهلاك المحلي، بدلاً من الحجم الخالص. سيكون نجاح استراتيجية الدورة المزدوجة والقدرة على تخفيف المخاطر الداخلية أمرًا حاسمًا في تحديد مسارها في العقود القادمة.