اقتصاد الجليد والثلج ينعش شمال شرقي الصين في حرارة الصيف

الاقتصاد البارد في قلب الصيف الحار

1. جذب السياحة بتجربة غير معتادة

مدينة هاربين في مقاطعة هيلونغجيانغ، التي تُعرف باسم “مدينة الجليد”، تستفيد من هطول حرارة الصيف عبر جذب السياح إلى بيئات باردة اصطناعية. فعلى سبيل المثال، منتزه Ice and Snow World الداخلي يظل عند درجة حرارة -10 °C ويستقطب الزوار طوال العام حتى في الصيف، مع عروض مثل مجسمات الجليد، الشوارع الأوروبية، عروض التزلج، وممرات جليدية مغلقة. 

من يناير إلى يونيو، سجلت هاربين 86.98 مليون زيارة سياحية وحققت إيرادات بقيمة 137.58 مليار يوان، بزيادة سنوية 14٪ في الإيرادات و17.8٪ في عدد الزوار.

2. قيمة اقتصادية ضخمة من اقتصاد الجليد والثلج

بلغ حجم سوق هذا الاقتصاد في هيلونغجيانغ 266.17 مليار يوان عام 2024، منها 182.33 مليار يوان تندرج تحت قطاع السياحة فقط.

3. تنويع الأنشطة وتكامل القطاعات الاقتصادية

المنطقة شرقية الصين لا تقتصر فقط على الترفيه الثلجي، بل تطورت لتدمج بين:

  • السياحة الشتوية والتجربة الزراعية: مثل جنوبو قرية بالقرب من منتجع بيداهو (Beidahu)، حيث تقدّم المنتجعات خدمات متعددة تشمل التزلج، مشاهدة مناظر نادرة، وجلسات الاسترخاء في “الحجة الدافئة” (النار على الأرض)، فضلًا عن مطاعم ومساكن محلية تديرها عائلات تزيد من دخلهم وتروج للمزارع المحلية.

  • السياحة الرياضية والتدريب: يقام في يابولي (Yabuli) برنامج شامل يغطي مواقع التزلج المتصلة بتذكرة واحدة، ويضم مدنًا مثل جيلين وشنيانغ، مع بنية تحتية فريدة تستقطب الأطفال والمبتدئين بتكاليف مناسبة وحوافز مثل أدوات تزلج مجانية وخبرات متنوعة للأطفال. 

4. دعم حكومي وسياسات داعمة

ركزت السلطات الصينية بقوة على مشاريع تطوير الاقتصاد الثلجي، وتوجيه السياحة، والثقافة، والبنية التحتية الرياضية، وهو ما ساهم في تعزيز النمو وتطلعات القطاع إلى أن يصبح مصدرًا رئيسيًا للإيرادات والتنمية المحلية.

كيف يُنعش “الاقتصاد البارد” الاقتصاد المحلي في الشمال الشرقي؟

1. البنية التحتية: لوجستيات ضخمة وراء التبريد

 التبريد الصناعي والتقنيات الحديثة

إنشاء مدن جليدية صيفية يتطلب بنية تحتية ضخمة تشمل:

  • أنظمة تبريد متقدمة تحافظ على درجات حرارة تصل إلى -10 مئوية داخل القاعات والأنفاق.

  • استخدام الجليد الصناعي والمجسمات الثلجية المصنوعة عبر تقنيات طباعة ثلاثية الأبعاد.

  • صيانة يومية مستمرة لمرافق التزلج والمسارات الداخلية لمنع الذوبان أو الانزلاق المفرط.

سلاسل إمداد دقيقة

نقل الثلج، وإعادة تدويره، وتوفير ملابس خاصة، كلها عناصر تحتاج إلى:

  • شبكة لوجستية متخصصة في التحكم بالحرارة.

  • موظفين مدربين لتقديم الدعم السريع في حالات الطوارئ.

  • طاقة كهربائية كبيرة تتطلب استخدام مصادر طاقة متجددة في بعض الأحيان (الطاقة الشمسية في هاربين).


2. التسويق والترويج: كيف تُباع “برودة الجليد” في عز الصيف؟

 حملات رقمية جذابة

  • استخدام منصات مثل Douyin (تيك توك الصيني)، Xiaohongshu، وWeChat لنشر فيديوهات حية من داخل “مدن الجليد”.

  • استهداف العائلات التي تبحث عن تجربة ترفيهية مختلفة للأطفال في العطلة الصيفية.

  • تسويق تجربة “التزلج في أغسطس” كرمز للحداثة والتفرد.

 السياحة الخارجية والداخلية

  • تقديم عروض مخصصة للزوار من جنوب الصين والوافدين من تايلاند، سنغافورة، وكوريا.

  • دعم حكومي مباشر لتقليل أسعار التذاكر خلال العطلة الصيفية.

  • تنظيم مهرجانات صيفية مثل “Ice Summer Carnival” في هاربين.


3. الأثر الاقتصادي والاجتماعي المحلي

 فرص العمل والتنمية الإقليمية

  • توفير عشرات الآلاف من فرص العمل الموسمية في الضيافة، الإرشاد، الصيانة، وإدارة الفعاليات.

  • زيادة دخل المزارعين في القرى المجاورة من خلال تحويل منازلهم إلى نُزل تقليدية توفر تجربة محلية دافئة للسياح القادمين من منتجعات التزلج.

  • دعم مباشر لأصحاب المشاريع الصغيرة مثل بائعي الطعام الشعبي ومصممي الحرف اليدوية المستوحاة من الثلج.

 تحوّل اجتماعي وبنية تحتية محسّنة

  • مد شبكات طرق ومرافق عامة إلى مناطق نائية كانت تُعاني من العزلة.

  • تقليل الهجرة إلى المدن الكبرى من خلال تنمية الاقتصاد المحلي.

  • إدخال برامج تدريب شبابية على الرياضات الشتوية طوال العام، ما يعزز الانتماء المجتمعي.


4. نظرة مستقبلية: ما القادم؟

  • تخطط الصين لتوسيع “الاقتصاد البارد” ليشمل العلاج بالثلج، وتجارب السياحة الصحية المرتبطة بالهواء النقي والبيئة الجبلية.

  • إدخال الواقع الافتراضي لتوفير تجارب تزلج داخلية دون جليد حقيقي (محاكاة ثلاثية الأبعاد).

  • زيادة الاستثمارات الأجنبية في المشاريع السياحية المتعلقة بالجليد.


خاتمة

في زمن تغير المناخ، وتحت ضغط الحرارة المرتفعة، أثبتت مدن الشمال الشرقي في الصين أن الابتكار السياحي والتكامل الاقتصادي قادران على تحويل بيئة الشتاء إلى فرصة صيفية مربحة. اقتصاد الجليد والثلج لم يعد مجرد عنصر موسمي، بل أصبح ركيزة تنموية تعزز من الهوية المحلية، الدخل القومي، وتوازن التنمية بين المناطق.